يقول السائل:كما تعلمون فقد كثرت حوادث القتل حيث قتل بعض الناس أخذاً بالثأر كما أنه قد قتلت بعض الفتيات تحت شعار القتل على خلفية شرف العائلة فما قولكم في ذلك؟
الجواب
وثبت في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكبائر فقال:(الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين) أو ذكر الكبائر فقال:(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور) رواه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) رواه البخاري.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش) رواه الترمذي،وقال هذا حديث حسن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/40.
ومن المعلوم أن عقوبة القتل عقوبة مشروعة في حالات معينة كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } سورة البقرة الآية 178. وثبت في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة) رواه البخاري ومسلم.
وكذلك فإنه من المقرر شرعاً وجوب تطبيق الحدود والتعزير على من ارتكب موجباً لها والمكلف بتنفيذ جميع العقوبات المقررة شرعاً -القصاص والحدود والتعزير- هو الحاكم المسلم أو من ينيبه وليس ذلك لأفراد الناس فلا يجوز لفرد أو جماعة تطبيق العقوبات الشرعية لأن هذا يفتح باباً عريضاً من أبواب الشر والفساد. ومن الأدلة على أن تنفيذ العقوبات من اختصاص الدولة المسلمة ممثلة بالإمام أو من يقوم مقامه قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } قال الإمام القرطبي في تفسير الآية:[لا خلاف في أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعاً أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مَقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود] تفسير القرطبي 2/245.
ويدل على ذلك أيضا ما ورد في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:(أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) رواه مالك في الموطأ والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وقال العلامة الألباني [وهو كما قالا]. السلسلة الصحيحة 2/272.
وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي:[لا يقيم الحدود على الأحرار إلا الإمام أو من فوض إليه الإمام لأنه لم يُقَمْ حدٌّ على حر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بإذنه ولا في أيام الخلفاء إلا بإذنهم، ولأنه حق لله تعالى يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه الحيف فلم يجز بغير إذن الإمام] المهذب 20/34.
وروى الإمام البيهقي بإسناده:[عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين يُنتهى إلى قولهم من أهل المدينة كانوا يقولون لا ينبغي لأحد أن يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان] سنن البيهقي 8/245.
وجاء في الموسوعة الفقهية:[اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحدّ إلا الإمام أو نائبه وذلك لمصلحة العباد وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم والإمام قادر على الإقامة لشوكته ومنعته وانقياد الرعية له قهراً وجبراً كما أن تهمة الميل والمحاباة والتواني منتفية عن الإقامة في حقه فيقيمها على وجهه فيحصل الغرض المشروع بيقين، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقيم الحدود وكذا خلفاءه من بعده] الموسوعة الفقهية الكويتية 17/144-145.
إذا تقرر هذا فإنه يحرم على المسلم أن يأخذ بالثأر وخاصة إذا قتل غير القاتل كأن يقتل أخاه أو قريباً له فإن هذا من أعظم المنكرات فلا يجوز شرعاً أن يؤخذ الانسان بجريرة غيره قال الله تعالى: { ولا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } سورة الأنعام الآية 164.
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض لا يُؤخَذ الرجل بجناية أبيه ولا جناية أخيه) رواه النسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي 3/863.
وخلاصة الأمر أن الإسلام حرم الأخذ بالثأر ومنع القتل على خلفية شرف العائلة وقرر أن تنفيذ جميع العقوبات الشرعية إنما هو من اختصاص الحاكم المسلم أو من ينيبه وليس ذلك للأفراد أو الجماعات أو الأحزاب.
المؤلف : حسام الدين عفانة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق