يقول السائل:ما قولكم فيما نقرؤه في الصحف من إعلانات البراءة حيث يتبرأ الوالد من ولده مثلاً أو تتبرأ العشيرة من أحد أفرادها أفيدونا؟
الجواب:
وقال تعالى: { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } سورة التوبة الآيات 1- 3.
وقال تعالى: { وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } سورة يونس الآية 41.
وقال تعالى: { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } سورة الشعراء الآية 216.
قال الألوسي في تفسير الآية السابقة:[فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام بعد تصديقك والإيمان بك وتواضعك لهم فقل إني بريء مما تعملون من المعاصي، أي أظهر عدم رضاك بذلك وإنكاره عليهم] تفسير روح المعاني 10/133.
وقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً على سبيل المدح والثناء بسيدنا إبراهيم الخليل حيث إنه قد تبرأ من كفر أبيه وقومه فقال تعالى: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } سورة التوبة الآية 114.
وقال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } سورة الممتحنة الآية 4.
وتجوز البراءة أيضاً من أهل المعاصي وممن يرتكب الموبقات فيجوز التبرؤ مما يفعله المجرمون كمن يقتل أو يزني أو يغتصب، ونحو ذلك من الجرائم فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرناه فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده فقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين) رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[قوله: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) قال الخطابي: أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا] فتح الباري 8/72.
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(ليس منا من حلف بالأمانة ومن خبب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا) رواه أحمد ومعنى خبب أي أفسد المرأة على زوجها، وغير ذلك من الأحاديث.
وينبغي التنبيه على أمرين هامين: أولهما أن البراءة من النسب محرمة تحريماً صريحاً فلا يجوز لأحد أن يعلن براءته من نسبه كأن يتبرأ الولد من نسبه لأبيه أو يعلن الوالد براءته من نسب ابنه منه ونحو ذلك فهذا أمر محرم شرعاً فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر) رواه البخاري ومسلم.
والأمر الثاني: ينبغي التحذير من قطع الأرحام فإن البراءة من أفعال العصاة والفساق لا تعني مقاطعتهم نهائياً فإن ذلك قد يزيد في عصيانهم وفسوقهم بل لا بد من التواصل معهم ونصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لعلهم يتوبون ويرجعون عن غيهم وضلالهم، فقد ثبت في الحديث عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث.
وخلاصة الأمر أن إعلان البراءة من العصاة والفسقة جائز إن وجد له سبب شرعي معتبر وأما إعلان البراءة بدون سبب شرعي فذلك حرام شرعاً كمن يتبرأ من أبيه لأنه تزوج زوجة ثانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق