تقول السائلة: إنها قد اختلفت مع زوجها في الظهور أمام عمه بدون حجاب فزوجها يقول إنها محرمة على عمه فيجوز أن تجلس معه بدون جلباب وأنه لا فرق بين عمها وعمه وتقول الزوجة إن عم زوجها أجنبي عليها وليس كعمها. فما قولكم في ذلك؟
وقال الشيخ ابن كثير:[وقد روى ابن المنذر حدثنا موسى يعني ابن هارون حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا داود عن الشعبي وعكرمة في هذه الآية { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } حتى فرغ منها وقال لم يذكر العم ولا الخال لأنهما ينعتان لأبنائهما ولا تضع خمارها عند العم والخال] تفسير ابن كثير 4/540.
وما ذهب إليه الشعبي وعكرمة من التابعين قول مرجوح، والراجح مذهب جماهير أهل العلم بأن العم والخال يجوز إبداء الزينة لهما. وقد أجاب أهل العلم على عدم ذكر أعمام المرأة وأخوالها في الآية الكريمة بما يلي:
قالوا إن الأعمام والأخوال يندرجون تحت قوله تعالى في الآية السابقة: { أو آبائهن } فإنهم بمنزلة الآباء وقد ورد إطلاق الأب على العم كما في قوله تعالى: { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } سورة البقرة الآية 133. ومن المعلوم أن إسماعيل عليه السلام هو عم يعقوب عليه السلام وقد جعله الله تعالى من آباء يعقوب.
وورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:(بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر - رضي الله عنه - على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله وأما العباس فهي عليَّ ومثلها معها ثم قال يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه) رواه مسلم.
قال الإمام النووي:[قوله - صلى الله عليه وسلم -:(عم الرجل صنو أبيه) أي مثل أبيه, وفيه تعظيم حق العم] شرح النووي على صحيح مسلم.
وورد في الحديث عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(الخالة بمنزلة الأم) رواه الترمذي. ثم قال:[وفي الحديث قصة طويلة وهذا حديث صحيح] وأصل الحديث في الصحيحين.
وقال الإمام الكاساني:[ لأنَّ الْعَمَّ يُسَمَّى أَباً وَكَذَلِكَ الْخَالُ وَزَوْجُ الْأُمّ, قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { قَالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمَّ يَعْقُوبَ عليه السلام وَقَدْ سَمَّاهُ أَبَاهُ, وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } وَقِيلَ: إنَّهُمَا أَبُوهُ وَخَالَتُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْخَالَةُ أُمَّاً كَانَ الْخَالُ أَباً] بدائع الصنائع 5/504.
وقد قال العلماء: هنالك تلازم بين المحرمية المؤبدة وبين إبداء الزينة فبما أن المرأة تحرم على التأبيد على عمها وخالها فيجوز لها إبداء الزينة لهما.
قال الشيخ السعدي عند تفسير قوله تعالى: { لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا } سورة الأحزاب الآية 55. ما نصه:[لما ذكر أنهن لا يسألن متاعاً إلا من وراء حجاب، وكان اللفظ عاماً لكل أحد احتيج أن يستثنى منه هؤلاء المذكورون، من المحارم، { وأنه لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ } في عدم الاحتجاب عنهم. ولم يذكر فيها الأعمام، والأخوال، لأنهن إذا لم يحتجبن عمن هن عماته ولا خالاته، من أبناء الإخوة والأخوات، مع رفعتهن عليهم، فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن، من باب أولى، ولأن منطوق الآية الأخرى، المصرحة بذكر العم والخال مقدمة على ما يفهم من هذه الآية] تفسير السعدي ص 671.
وختاماً ينبغي التنبيه على أمرين: أولهما إن عم الأب وخاله محرمان على بناته وكذلك عم الأم وخالها محرمان على بناتها.
وثانيهما: إن نظر العم والخال جائز في حال أمن الفتنة والشهوة وأما مع النظر بشهوة فيحرم النظر من المحارم. وكذلك فإن العم والخال لا ينظران من المرأة إلا إلى ما يظهر منها غالباً.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى ما يستتر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما] المغني 7/98.
وخلاصة الأمر أن عم الزوج وخال الزوج أجنبيان على الزوجة بخلاف عم الزوجة وخالها فهما من محارمها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق