الاثنين، 28 نوفمبر 2011

موسوعة الفقه الإسلامي 4

موسوعة الفقه الإسلامي 

موقع وزارة الأوقاف المصرية 


آمة

الآمة فى اللغة (1) هى الشجة التى تفضى إلى أم الدماغ وأم الدماغ جلدة رقيقة مفروشة عليه متي انكشفت عنه مات من أصابه ذلك غالبا.
ولا يختلف معنى الآمة فى الفقه عن معناها اللغوى، ومن ذلك قول الحنابلة: الآمة والمأمومة شىء واحد.
قال ابن عبد البر: أهل العراق يقولون لها الآمة، وأهل الحجاز: المأمومة، وهى الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ.
سميت أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه. فإذا وصلت إليها سميت آمة ومأمومة ويوافقهم فى هذا الاستعمال الحنفية والشافعية والمالكية والظاهرية والشيعة والجعفرية والزيدية. (2) ويزيد الإباضية فيطلقون على الأمة أيضا. " الناقبة " و " اللآمة " لما فيها من معنى اللفظين(3).
أحكام الآمة
حكم القصاص فى عمدها
قال الإمام مالك فى " الموطأ ": الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيها قود
(أى قصاص) وعلق عليه شارحه أبو الوليد. الباجى فقال: " وبهذا قال أكثر الفقهاء، وهو المروى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، قال ابن المواز: أجمع جميع الفقهاء على ذلك إلاَ ربيعة. والدليل على ما نقوله أن معني القصاص أن يحدث عليه مثل ما جني، ولما كان الغالب من هذه الجناية أنها لا تقف على ما انتهت اليه فى المجني عليه بل تؤدى إلى النفس (أى إلى إزهاقها) لم يجز القصاص فيها لأن قصد القصاص يكون قصدا إلى أتلاف النفس ". وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية وهو الراجح فى مذهب الإمامية (4).
وقد خالفه فى ذلك أبو محمد على بن حزم الظاهرى (5) إذ يرى أنه يقتص فى عمد الآمة كما يقتص من سائر جراح العمد إلا أن يعفو صاحب الحق ويتصالح لأن النص عام فى قوله تعالى: ( والجروح قصاص ((6) بضم الحاء، وفى قوله تعالى: ( والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ((7) ( وماكان ربك نسيا ((8).
فلو علم الله تعالى أن شيئا من ذلك لا يمكن فيه مماثلة لما أجمل لنا أمره بالقصاص فى الجروح جملة ولم يخص شيئا منها.
الحكم فى الآمة:
الحنفية والمالكية والحنابلة والزيدية يقولون: يجب فى الآمة ثلث الدية لا فرق بين عمدها وخطئها ويستدلون بما ورد فى كتاب النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل اليمن وهو الذى رواه عمرو بن حزم عن أبيه من قوله " وفى المأمومة ثلث الدية " وبأدلة أخرى (9) يقررها ابن قدامة.
والراجح فى مذهب الشافعية (10) أنه لا يجب فيها إلا ثلث الدية خلافا لمن يرى أن فيها مع الثلث حكومة(ما يقدره خبير وهو الأرش المقدر) لخرق غشاوة الدماغ كما أن فى الجائفة الثلث والحكومة.
والإباضية يقولون (11): فى المأمومة ثلث الدية ويفرقون بين الخطأ والعمد فيقولون " ولا تأديب فى الخطأ ولا قصاص، وأما العمد ففيه التأديب ولو بتعزير أو نكال مع الأرش أو العفو "
وأما ابن حزم الظاهرى (12): فيرى أنه لا تجب دية فى شىء مما دون النفس خطأ ويقول بعد تقريره أن القصاص واجب فى كل ما كان بعمد من جرح أو كسر.
وبقى الكلام: هل فى ذلك العمد دية يتخير المجنى عليه فيها أو فى القصاص أم لا وهل فى الخطأ فى ذلك- دية مؤقتة(أى معينة من الشارع مبينة) أما لا؟ قال على(يعني نفسه): فنظرنا فى هذا فوجدنا الله تعالى يقول: " وليس عليكم جناح فيما خطأتم به، ولكن ما تعمدت. قلوبكم (13) "
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ان الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). وقال اللّه تعالى: ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم (14) (.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) فصح بكل ما ذكرنا أن الخطأ كله معفو عنه لا جناح على الإنسان فيه، وإنما الأموال محرمة، فصح من هذا ألا يوجب على أحد حكم فى جنايه خطأ، ألا أن يوجب ذلك نص صحيح أو إجماع متيقن وإلا فالأموال محرمة والغرامة ساقطة لما ذكرنا.
الحكم فى الآمة تقع على العبد:
الحنفية (15): إذا جنى أحد على العبد آمة ففى المذهب قولان: أحدهما وهو الصحيح وظاهر الرواية أن أرشها ثلث قيمة العبد بالغة ما بلغت.
الثانى: وهو الذى فى عامة الكتب وجزم به فى الملتقى أن الأرش هو ثلث القيمة غير أنه لا يزاد على ما يجب للحر من الدية بل يجب أن ينقص ثلثه عن ثلث دية الحر بثلاثة دراهم وثلث درهم، وذلك أخذا بأثر ابن مسعود الذى يقرر أنه " لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم " وهذا كالمروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم- لأن المقادير لا تعرف بالقياس، و إنما طريق معرفتها السماع من صاحب الوحى.
ولما كان المقدر نقصه فيما يقابل بالدية الكاملة من قيمة العبد هو عشرة دراهم كان الذى ينقص من الثلث إذا بلغ ثلث الدية هو ثلاثة دراهم وثلث درهم.
وفى مذهب الحنابلة (16): إذا كان الفائت بالجناية على العبد مؤقتا فى الحر ففيه عن أحمد روايتان إحداهما أن فيه ما نقصه بالغا ما بلغ، وذكر أبو الخطاب أن هذا هو اختيار الخلال.
والأخرى: وهى ظاهر المذهب أن فيه من القيمة بمقدار ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة تقع على العبد ثلث قيمته...
وفى مذهب الشافعية(17): قولان كما فى مذهب الحنابلة، أرجحهما أن فى الجناية على العبد من القيمة ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة ثلث القيمة. والقول الثانى: وهو القديم، ان فيها ما نقص من القيمة نظرا إلى انه مال.
اما المالكية والزيدية والإمامية والإباضية فيرون أن ما وجب فيه للحر ثلث الدية كالأمة فيه ثلث القيمة من العبد(18).
ويرى ابن حزم الظاهرى (19): أنه إذا جنى أحد على عبد أو أمة خطأ ففى ذلك ما نقص من قيمته بأن يقوم صحيحا مما جنى عليه ثم يقوم كما هو الساعة ويكلف الجانى أن يعطى مالكه ما بين القيمتين وإذا جنى أحد عليهما عمدا. ففى ذلك القود وما نقص من قيمتهما، أما القود فللمجنى عليه وأما ما نقص من القيمة فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله.
الواجب فى الآمة يحدثها العبد:
يقول الحنفية (20): إذا جنى عبد جناية دون النفس) كالآمة مثلا (عمداً أو خطأ فمولاه بالخيار بين أن يدفعه إلى ولى الجناية فيملكه بجنايته وبين أن يفديه بأرشها، وذلك لما روى عن ابن عباس أنه قال: " إذا جنى العبد فمولاه بالخيار ان شاء دفعه وإن شاء فداه "..
واختلفوا هل الواجب الأصلى هو دفع العبد او هو فداؤه على قولين أولهما هو الصحيح كما فى الهداية والزيلعى، ويترتب على القول الأول أن يسقط الواجب بموت العبد، وعلى القول الثانى " أن السيد لو اختار الفداء ولم يقدر عليه أداه متى وجد ولا يبرأ بهلاك العبد.
وإذا فدى السيد عبده ثم جنى العبد بعد ذلك جناية أخرى فحكمها كالأولى بالتفصيل الذى ذكرناه لأنه لما فداه عن الأولى صارت كان لم تكن، وكانت الجناية الثانية كالمبتدأة ، فإن جنى جنايتين دفعه بهما الى وليهما أو فداه بأرشهما "
والمالكية يقولون: إذا جنى الآمة عبد على حر فثلث الدية فى رقبة العبد أى أن العبد تتعلق جنايته بنفسه لا بذمته ولا بذمة سيده، فهو فيما جنى، فإن شاء سيده أسلمه فيها وأن شاء فداه بأرشها ولا يطالب السيد ولا العبد بشئ إذا زاد ثلث الدية عن قيمته.
وإذا كانت جناية العبد على عبد فكذلك غير أن الثلث. الواجب هنا هو ثلث قيمة العبد المجنى عليه فيخير سيد العبد الجانى بين ان يسلم عبده لولى الجناية أو يفديه (21). والشافعية يقولون (22): إذا جنى العبد جناية موجبة للمال ومنها الآمة تعلق المال برقبته لا بذمته والسيد بالخيار بين بيعه بنفسه أو تسليمه للبيع وبين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية فان لم يفعل باعه القاضى وصرف الثمن الى المجنى عليه وإذا سلمه للبيع وكان الأرش يستغرق قيمته بيع كله وإلا فبقدر الحاجة إلا أن يأذن التقيد أو لم يوجد من يشترى بعضه.
والحنابلة يقولون (23) ": إذا جنى العبد آمة أو غيرها فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه فإن كانت الجناية أكثر من قيمته لم يكن على سيده كثر من قيمته. وقال ابن قدامة تعليقا عليه وتعليلا للحكم فى الموضع نفسه: هذا فى الجناية التى تودى بالمال أما لكونها لا توجب إلا المال وأما لكونها موجبة للقصاص فعفا عنها إلى المال، فان جناية العبد تتعلق برقبته، إذ لا بخلو من أن تتعلق برقبته او ذمته أو ذمة سيده أو لا يجب شىء، ولا يمكن إلغاؤها لأنها جناية آدمى فيجب اعتبارها كجناية الحر، ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه، فجناية العبد أولي، ولا يمكن تعلقها بذمته لأنه أفضى إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غايته، ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعلقها برقبة العبد. ولأن الضمان موجب جنايته فتعلق برقبته كالقصاص ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته فما دون أو كثرا، فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفدية بأرش جنايته أو يسلمه الى ولى الجناية فيملكه، لأنه إن دفع أرش الجناية فهو الذى وجب للمجنى عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذى تعلق الحق به " ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها، وإن طالب المجنى عليه بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه لما ذكرنا. وأن دفع السيد عبده فأبى الجانى قبوله، وقال بعه وأدفع إلى ثمنه فهل يلزم ذلك ؟ على روايتين، و أما إن كانت الجناية كثر من قيمته ففيه روايتان: إحداهما: أن سيده يخير بين أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته وبين أن يسلمه. والرواية الثانية: يلزمه تسليمه إلا أن يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت.
والزيديه (24):- عندهم روايتان عن على إحداهما إذا جنى العبد جناية لا قصاص فيها ومنها الآمة لا يلزم سيده أكثر من ثمنه فإذا اختار ولى الدم الأرش فليس على سيده الا تسليم قيمته فقط ما لم تعد دية الحر.
وهذا مذهب الهادى والمؤيد وحجته ما رواه زيد بن على عن أبيه عن جده عن على قال فى جناية العبد لا يلزم سيده أكثر من ثمنه ولا يبلغ بدية عبد دية حر والأخرى أن السيد بخير بين تسليم العبد للمجنى عليه فيسترقه وبين أن يسلم له كل الأرش بالغا ما بلغ.
وقد روى هذه الرواية الأخيرة محمد ابن منصور بأسانيده عن الحارث عن على ولا شىء على السيد إن امتنع المجنى عليه من قبول العبد، فلو باعه أو اعتقه بعد ذلك لم يلزمه إلا قدر قيمته والزائد على العبد يطالب به إذا اعتق بخلاف ما إذا باعه او أعتقه قبل ذلك فانه يكون اختيار منه لالتزام الأرش فيلزمه جميعه، وكذا لو أخرجه عن ملكه بأى وجه من وجوه التصرف بعد علمه بالجناية فهو مختار وعليه الأرش وتصرفه صحيح وأن كان لا يعلم فعليه الأقل من- قيمته ومن أرش الجناية وأن مات العبد قبل ان يختار سيده لم يلزم المولى شىء من أرش الجناية. ويقول الإمامية (25): جناية العبد تتعلق برقبته ولا يضمنها المولى، وللمولى فكه بأرش الجناية ولا تأخير لمولى المجنى عليه ولو كانت الجناية لا تستوعب قيمته تأخير المولى فى دفع الأرش أو تسليمه ليستوفى المجنى عليه قدر الجناية استرقاقا أو بيعا. والإباضية يقولون (26): إذا أحدث العبد جرحا (كآمة) مثلا فان كان الأرش الواجب فيها مساويا لقيمة العبد أو أكثر كانت لرب العبد الخيار فى أن يعطيه العبد الجانى أو يعطيه قيمته وإن كان للأرش الواجب أقل من نفس العبد كان للمجنى عليه أرشه الواجب له فقط، وهو هنا الثلث ثلث الدية إن كانت الجناية على حر وثلث- القيمة إن كانت الجناية على عبد.
ويرى ابن حزم الظاهرى (27): أن جناية العبد التى يترتب عليها مال هى فى مال العبد أن كان له مال، فإن لم يكن له مال ففى ذمته يتبع به حتى يكون له، مال فى رقَه أو بعد عتقه وليس على سيده فداؤه لا بما قل ولا بما كثر ولا إسلامه فى جنايته ولا بيعه فيها.

__________

(1) لسان العرب مادة (أمم).
(2) المغنى فى فقه الحنابلة ج9 ص 446 طبعة المنار بمصر سنه 1348 ، الاختيار شرح المختار لابن مودود الموصلى الحنفى طبعة الحلبى سنة 1355 بمصر ج2 ص 372 ، الأنوار فى فقه الشافعى للإردبيلى المطبعة اليمنية بمصر سنة 1326 ج2 ص 253 ، وشرح اللمعة الدمشقية فى فقه الإمامية للعاملى مطبوع بمصر سنة 1378 ج2 ص 442 ، الروض النضير فى فقه الزيدية للصنعانى مطبعة السعادة بمصر سنة 1349 ج4 ص 257، والمحلى لابن حزم الظاهرى مطبعة منير بمصر سنة 135 2 ج10 ص 461.
(3) كتاب النيل فى فقه الإباضية ج8 ص10
(4) انظر شرح الباجى على الموطأ مطبعة السعادة بمصر سنة 1332 ج7 ص88 وبهامشه الموطأ ، الدور المختار طبع استانبول ج5 ص512 فى عدم القصاص وص 510 فى ترتيب الشجاع والأنوار ج2 ص253 والمغنى ج9 ص446،والمختصر النافع للجعفرية طبع مصر سنة 1378 ص315،والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج2ص442،وشرح الروض النضير ج4 ص258 وشرح كتاب النيل ج2ص208
(5) المحلى ج10ص461
(6) سورة المائدة:45.
(7) سورة البقرة:194
(8) سورة مريم:64
(9) المغنى ج9 ص646 ،الاختيار شرح المختارج22 ص، 174وأقرب المسالك ج2ص372 والروض التفسير ج4 ص257،258.
(10) شرح المنهاج طبعة الحلبى ج4 ص133.
(11) كتاب النيل ج 8 ص13
(12) المحلى ج10 ص403 وما بعدها.
(13) سورة الأحزاب:5
(14) سورة النساء:29
(15) الدر المختار ج5 ص547 وحاشية ابن عابدين عليه
(16) المغني ج9ص667
(17) شرح المنهاج ج4 ص144
(18) المالكية أقرب المسالك ج2 ص383.الزيدية الروض النضير ج4 ص270. الإمامية المختصر النافع ص317. الإباضية كتاب النيل ج8ص58
(19) المحلى ج 8 ص 142، 149.
(20) الدر المختار ج5 ، ص 539 ، وحاشية ابن عابدين علية
(21) شرح أقرب المسالك للدر دير ج2 ص 370 ، والباجى على الموطأ ج7 ص 21 وشرح أبى الحسن على رسالة أبى زيد القيروانى وحاشية العدوى علية ج2 ص 337.
(22) الأنوار للإردبيلى ص 279
(23) مختصر الإمام أبى القاسم الخرقى - متن المغنى ج9 ص 511، 512 من الطبعة السالفة الذكر
(24) الروض النضير ج4 ص 283 ، 284
(25) المختصر الناقع ص 317
(26) النيل ج8 ص189.
(27) المحلى ج8 ص155،159.
(1/15)
آنية

مدلول الكلمة:
جاء فى المصباح: الإناء والآنية الوعاء والأوعية وزنا ومعني، والأوانى جمع الجمع هذا المعنى يستعمله الفقهاء فى كتب المذاهب.
حكم استعمال الآنية:
جمهور الفقهاء على حظر استعمال آنية الذهب والفضة فى الوضوء وغيره، وفى استعمال غيرها تفصيل تختلف المذاهب فى
بعضه باختلاف أنواع الآنية وجواهرها، وسنورد ما يصور ذلك فى المذاهب.
قال الأحناف (1): لا يجوز. الأكل والشرب والإدهان والتطيب فى آنية الذهب والفضة للرجال والنساء، وكذا لا يجوز الأكل بملعقة الذهب والفضة، وكذلك المكحلة والمحبرة وغير ذلك.
وأما الآنية من غير الذهب والفضة فلا بأس بالأكل والشرب فيها والإدهان والتطيب منها والانتفاع بها للرجال والنساء كالحديد والصفر والنحاس والرصاص والخشب والطين ولا بأس باستعمال آنية الزجاج والرصاص والبللور والعقيق وكذا الياقوت ويجوز الشرب فى الإناء المفضض عند أبى حنيفة إذا كان يتقى موضع الفضة بحيث لا يلاصقه الفم ولا اليد وقال أبو يوسف يكره ذلك وعن محمد روايتان إحداهما مع الإمام والأخرى مع أبى يوسف وعلى هذا الخلاف فى الإناء المضبب بالذهب والفضة. وأما التمويه فلا بأس به إجماعا فى المذهب وفى متن التنوير وشرحه وحاشيته (2): التصريح بكراهة الأكل والشرب والدهان والتطيب ونحو ذلك من آنية الذهب والفضة وأن محل الكراهة إذا استعملت ابتداء فيما صنعت له بحسب متعارف الناس وإلا فلا كراهة حتي لو نقل الطعام من إناء الذهب الى موضع آخر أو صب الماء أو الدهن فى كفه لا على رأسه ابتداء ثم استعمله فلا بأس به.
وقال صاحب الدر (3): ان محل الكراهة فيما يرجع للبدن وأما لغيره تجملا بأوان متخذة من ذهب او فضة فلا بأس به بل فعله السلف.
ونقل ابن عابدين عن جماعة من فقهاء الأحناف القول بأن نقل الطعام منها إلى موضع آخر استعمال لها ابتداء وأخذ الدهن باليد ثم صبه على الرأس استعمال متعارف.
وقد نص (4) صاحب التنوير على كراهة إلباس الصبي ذهبا أو حريرا، وعلله الشارح بأن ما حرم لبسه وشربه حرم إلباسه وأشرابه ومقتضاه كراهة استعمال آنية الذهب والفضة للصبية بواسطة غيرهم.
أما المالكية (5): فيصرحون بتحريم استعمال إناء الذهب والفضة فى كل من الأكل والشرب والطبخ، والطهارة مع صحة الصلاة بها، كما يصرحون بحرمة الاقتناء - أى اقتناء إناء الذهب والفضة- ولو لعاقبة دهر وبحرمة التجمل على المعتمد خلافا للأحناف ويقولون: إن المغشى ظاهره بنحاس أو رصاص والمموه أى المطلى ظاهره بذهب أو فضة فيه قولان مستويان عندهم.
وفى حرمة استعمال واقتناء الإناء المضبب أى المشعب بخيوط من الذهب أو الفضة وذى الحلقة من ذهب أو فضة قولان أيضا: وفى حرمة استعمال واقتناء إناء الجوهر النفيس كزبرجد وياقوت وبلور قولان، والجواز هو الراجح وهو ما قال به الأحناف.
والشافعية يوافقون الأحناف فى التصريح بعدم جواز استعمال شئ من أوانى الذهب والفضة للرجل والمرأة، ويستدلون بقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تشربوا فى آنية الذهب والفضة ولا تنالوا فى صحافها ".
وقياس غير الأكل والمشرب عليهما.
ويقول البجرمى: أن سائر وجوه الاستعمال مقيسة على الأكل والشرب فى عدم الجواز ولو كان الاستعمال على وجه غير مألوف كأن كب الإناء على رأسه واستعمل أسفله فيما يصلح له ثم قال وفهم من عدم الجواز الاستئجار على الفعل وأخذ الأجرة على الصنعة وعدم الغرم على الكاسر كآلة اللهو لأنه أزال المنكر.
وقال صاحب الإقناع: ويحرم على الولى أن يسقى الصغير بمشفط من إنائهما ثم قال ولا فرق بين الإناء الصغير والكبير (6).
ويوافق الشافعية المالكية فى حرمة اقتناء آنية الذهب والفضة فيصرح الخطيب بقوله: وكما يحرم استعمالهما يحرم اتخاذهما من غير استعمال لأن ما لا يجوز استعماله يحرم اتخاذه، ويرون حل استعمال كل أناء طاهر ليس من الذهب والفضة سواء كان من نحاس أو غيره، فإن موه إناء من نحاس أو نحوه بالنقد ولم يحصل منه شئ، أى لم يزد على أن، يكون لونا أو موه النقد بغيره أو صدئ مع حصول شىء من المموه به أو الصدى حل استعماله لقلة المموه فى الأولى فكأنه معدوم، ولعدم الخيلاء فى الثانية.
ثم أكد التعميم (7) فى إباحة آنية غير الذهب والفضة بقوله: ويحل استعمال واتخاذ النفيس كياقوت وزبرجد وبللور، وصرح بأن ما ضبب من أناء بفضة ضبة كبيرة حرم استعماله وأتخاذه أو صغيرة بقدر الحاجة فلا تحرم.
ويقول البجرمى: إن من الاستعمال المحرم أخذ ماء الورد منها لاستعماله ولو بصب غيره أو كان الذهب على البزبوز فقط. ثم قال: نعم، أن أخذ منه بشماله ثم وضع الماء فى يمينه واستعمله جاز مع حرمة الأخذ منه لأنه استعمال حينئذ، وذهب بعضهم الى عدم الحرمة.
والحنابلة ينصون على حرمة استعمال آنية الذهب والفضة دون خلاف عندهم، وعلل لذلك ابن قدامه (8) بأنه يتضمن الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وعندهم خلاف فى صحة الوضوء والاغتسال من آنية الذهب والفضة، فيقول بعضهم تصح طهارته لأن فعل الطهارة وماءها لا يتعلق بشيء من ذلك ويقول بعضهم: لا تصح لأنه استعمل المحرم فى العبادة كالصلاة فى الأرض المغصوبة، وقالوا لو جعل آنية الذهب والفضة مصبا للوضوء ينفصل الماء عن أعضائه إليه صح الوضوء0
قال ابن قدامة: ويحتمل أن تكون ممنوعة لتحقق الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء..
وهم كالشافعية والمالكية يحرمون إتخاذ آنية الذهب والفضة لعلة أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه. ويقولون فى المضبب بالذهب والفضة أن كان كثيرا فهو محرم بكل حال.
وأما اليسير من الذهب والفضة فأكثر الحنابلة (9) على أنه لا يباح اليسير من الذهب إلا إذا دعت اليه ضرورة، وأما الفضة فيباح منها اليسير لما روى عن أنس أن قدح النبى - صلى الله عليه وسلم- إنكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. رواه البخارى. ولأن الحاجة تدعو إليه وليس فيه سرف ولا خيلاء قال القاضى " أبو يعلى " يباح ذلك مع الحاجة وعدمها إلا أن ما يستعمل من ذلك بذاته لا يباح كالحلقة وما لا يستعمل كالضبة يباح.
وقال أبو الخطاب لا يباح اليسير إلا لحاجة لأن الخبر ورد فى شعب القدح فى موضع الكسر، وهو لحاجة، ويفسرون الحاجة بأن تدعو حاجة الى ما فعله به وان كان غيره يقوم مقامه.
ثم صرح بأن سائر الآنية بعد ذلك مباح اتخاذا واستعمالا ولو كانت ثمينة كالياقوت والبلور، ولا يكره "استعمال شىء منها فى قول العامة.
قال صاحب المغنى: إلا أنه روى عن ابن عمر أنه كره الوضوء من الصفر والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك، وأختاره المقدسى لأن الماء يتغير فيها.
ويقول ابن حزم الظاهرى (10): لا يحل الوضوء ولا الغسل ولا الشرب ولا الأكل لرجل ولا لامرأة فى إناء عمل من عظم ابن آدمي ولا فى إناء عمل من عظم خنزير ولا فى إناء من جلد ميتة قبل الدبغ ولا فى أناء فضة أو ذهب، وكل أناء بعد هذا من صفر أو نحاس أو رصاص أو قصدير أو بلور أو ياقوت أو غير ذلك فمباح أكلا وشربا ووضوءا وغسلا للرجال والنساء. ثم قال والمذهب والمضبب بالذهب حلال مساء دون الرجال لأنه ليس أناء ذهب أو فضة، وكذلك المفضض والمضبب .
والزيدية (11): يصرحون كالمالكية والحنابلة بتحريم استعمال آنية الذهب والفضة فى الوضوء وغيره، ويصح التوضؤ منه وإن عصى(أى مستعملها) لانفصال الطاعة بالوضوء منفصلة عن المعصية بالاستعمال.
وفى اقتنائها وجهان، وقال يحيى أصحهما المنع للخيلاء. وفى الياقوتة ونحوها وجهان أصحهما كالذهب لنفاسته. قال يحيى: وكذلك الزجاج والخشب والنحاس إذا عظم بالصنعة والزخرفة قدرها للخيلاء. وقالوا لا يحرم الإناء من المدر(طين متماسك لا يخالطه رمل) ومالم يعظم بالصنعة قدره ويكره الرصاص والنحاس المطعم بالذهب والفضة والمفضض والمموه والمضبب والجعفرية قالوا(12): بحرمة استعمال أوانى الذهب والفضة فى الأكل والشرب والوضوء والغسل وتطهير النجاسات وغيرها من سائر الاستعمالات حتي وضعها على الرفوف للتزين بل يحرم اقتناؤها من غير استعمال ويحرم بيعها وشراؤها وصياغتها وأخذ الأجرة عليها، بل نفس الأجرة حرام ، لأنها عوض محرم، وإذا حرم الله شيئا حرم ثمنه وقالوا ان الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلا، وأما إذا لم يكن كذلك فلا يجرم كما إذا كان الذهب والفضة قطعا منفصلات لبس بهما الإناء من الصور داخلا أو خارجا. ولا بأس بالمفضض أو المطلى أو المموه بأحدهما نعم يكره استعمال المفضض بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضة.
ولا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما إذا لم يصدق عليه اسم أحدهما. ويحرم ما كان ممتزجا منهما وأن لم يصدق عليه اسم أحدهما، وكذا ما كان مركب منهما بأن كان قطعة منه ذهبا وقطعة فضة وقالوا إن المراد بالأواني ما يكون من قبيل الكأس والكوز والصينى والقدر والفنجان وما يطبخ فيه القهوة وكوز الغليان والمصفاة ونحو ذلك.
وقالوا إن الأحوط فيما يشبه ذلك الاجتناب وذلك كقراب السيف والخنجر والسكين وقاب الساعة وظرف الغالية(أى المسك) وظرف الكحل ، ويقولون إنه لا فرق فى حرمة الأكل والشرب. من آنية الذهب والفضة بين مباشرتهما لفمه أو أخذ اللقمة منها ووضعها فى الفم، وكذا إذا وضع ظرف الطعام فى الصينى من أحدهما وكذا لو فرغ ما فى الإناء من أحدهما فى ظرف آخر لأجل الأكل والشرب لا لأجل التفريغ فإن الظاهر حرمة الأكل والشرب لأن هذا يعد استعمالا لهما فيهما.
ونقل الطباطبائى عن بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه فصب الشاى من القدر المصنوع من الذهب أو الفضة فى الفنجان وأعطاه شخصا آخر فشرب فإن الخادم والآمر عاصيان، والشارب لا يبعد أن يكون عاصيا، ويعد هذا منه استعمالا، وقالوا إذا كان المأكول أو المشروب فى آنية من أحدهما ففرغه فى ظرف آخر بقصد التخلص من الحرام لا بأس به ولا يحرم الشرب والأكل بعد هذا.
وقالوا إذا انحسر ماء الوضوء أو الغسل فى إحدى الآنيتين وأمكن تفريغه فى ظرف آخر وجب وإلا سقط وجوب الوضوء والغسل ووجب التيمم وإن توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء أخذ الماء منهما بيده أوصبه على محل الوضوء بهما أو انغمس فيهما وأن كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ فى ظرف، ومع ذلك توضأ أو اغتسل منهما فالأقوى البطلان لأنه وإن لم يكن مأمورا بالتيمم إلا أن الوضوء أو الغسل حينئذ يعد استعمالا لهما عرفا فيكون منهيا عنه بل الأمر كذلك لو جعلهما محلا لغسالة الوضوء لأن ذلك يعد فى العرف استعمالا.
وقالوا إنه لا فرق فى الذهب والفضة بين الجيد والردىء والمعدنى والمصنوع والمغشوش والخالص إذا لم يكن الغش إلى أحد يخرجها عن صدق الاسم وإن لم يصدق الخلوص أما إذا توضأ أو اغتسل من أناء الذهب أو الفضة مع الجهل بالحكم أو الموضوع صح، أما الأوانى من غير الجنسين فلا مانع منها وإن كانت أعلى وأغلى كالياقوت والفيروز، وكذلك الذهب الفرنكى لأنه ليس ذهبا.
وقالوا إنه إذا اضطر إلى استعمال آنية الذهب والفضة جاز إلا فى الوضوء والاغتسال فإنه ينتقل الى التيمم، وإذا دار الأمر فى حالة الضرورة بين استعمالها واستعمال المغصوب قدمهما.
وقالوا لا يجوزاستعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة من الأكل والشرب والوضوء والغسل، بل الأحوط عدم استعمالها فى غير ما يشترط فيه الطهارة أيضا بل وكذا سائر الانتفاعات غير الاستعمال، فإن الأحوط ترك جميع الانتفاعات منها، وأما ميتة ما لا نفس له كالسمك ونحوه فحرمة استعمال جلده غير معلوم وإن كان أحوط وكذا لا يجوز استعمال المغصوبة مطلقا والوضوء والغسل منها مع العلم باطل، نعم لوصب الماء منها فى ظرف مباح فتوضأ أو أغتسل صح وأن كان عاصيا من جهة تصرفه فى المغصوب، وأما أواني المشركين وسائر الكفار فإنها طاهرة ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة التى تسرى إليها بشرط ألا تكون من الجلود، ولا يكفى الظن فى ذلك، وإلا فمحكومة بالنجاسة إلا إذا علم تذكية حيوانها أو علم سبق يد مسلم عليها، وكذا غير الجلود.
أما ما لا يحتاج إلى التذكية فطاهر إلا مع العلم بالنجاسة، ويجوز عندهم استعمال أوانى الخمر بعد غسلها وإن كانت من الخشب أو القرع أو الخزف غير المطلى بالقير و نحوه فلا يضر نجسة باطنها بعد تطهير ظاهرها داخلا وخارجا، ويكفى تطهير الداخل. نعم يكره استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه إلا إذا غسل على وجه يطهر باطنه.
وجاء فى الفقه الإباضى (13): "وكره الوضوء من المشمس " الذى سخن ماؤه فى الشمس.
" أو من إناء ذهب، أو فضة، أو صفر " بضم فسكون نحاس، ولو أبيض، وذلك كله للإسراف " وقيل " التوضؤ " من الأولين " الذهب والفضة " حرام "، فيعاد. والقولان فى الرجل والمرآة جميعا لأن المحلل للنساء ليس الذهب لا الشرب فيه ونحو الشرب بدليل كراهة الفضة أو تحريمها أيضا عليها وعليه فى الوضوء. والذى أقول أن ما فيه فخر يكره أيضا مثل أناء القزدير فيكره مطلقا ولو لم يفخر به سدا للذريعة
اختلاط الأوا نى:
قال الأحناف (14): إذا تجاوزت أوان بكل منها ماء واشتبه الشخص فيها- لأن بعضها طاهر وبعضها نجس- فإن كان أكثرها طاهراً وأقلها نجس فإنه يتحرى لكل من الوضوء والاغتسال، وإن تساوت الأوانى 0 فكان عدد الطاهر مثل عدد النجس- فانه يعدل عنها ويتيمم لفقد المطهر قطعا، وإن وجد ثلاثة رجال ثلاثة أوان أحدهما نجس، وتحرى كل " أناء"، جازت صلاتهم وحدانا، وكذا يتحرى مع كثرة الطاهر لأوانى الشرب لأن المغلوب كالمعدوم وإن اختلط إناءان ولم يتحر وتوضأ بكل وصلى صحت إن مسح فى موضعين من رأسه لا فى موضع لأن تقديم الطاهر مزيل للحدث. وأما إن كان أكثر الأوانى نجسا فإنه لا يتحرى إلا للشرب لنجاسة كلهما حكما للغالب فيريقها عند عامة المشايخ ويمزجها لسقى الدواب عند الطحاوى ثم يتيمم.
وأما مسلك المالكية (15) فإنهم قالوا إذا اشتبه طهور بمتنجس كما لو كان عنده جملة من الأواني تغير بعضها بتراب طاهر وتغير بعضها بتراب نجس واشتبهت هذه بهذه فان مريد التطهير يصلى صلوات بعدد أوانى النجس كل صلاة بوضوء وزيادة إناء ويبني على الأكثر أى يجعل الأكثرهو النجس فإن كان عنده ستة أوان علم أن أربعة منها من نوع واثنتين من نوع وشك هل الأربعة من نوع النجس أو من نوع الطهور فانه يجعلها من النجس ويصلى خمس صلوات بخمس وضوءات هذا إذا اتسع الوقت وإلا تركه ويتيمم.
ولو اشتبه طهور بطاهر، أى غير مطهر كالماء المستعمل. فانه يتوضأ بعدد الطاهر وزيادة إناء ويصلى صلاة واحدة ويبني على الأكثر أن شك.
وأما الشافعية(16): فإنهم يقولون إن الاشتباه فى الأوانى يقتضى الاجتهاد مطلقا ولو قل عدد الطاهر كإناء من مائة وجوبا إن لم يقدر على طهور بيقين، وجوازا إن قدر على طهور بيقين، إذ العدول إلى المظنون مع جواز المتيقن جائز.
وللحنابلة فى هذا المقام تفصيل (17) خلاصته، أن الأواني المشتبهة لا تخلو من حالين:
أحدهما: ألا يزيد عدد الطاهر على النجس فلا خلاف فى المذهب أنه لا يجوز التحرى فيها بل يريقها ويتيمم ، فهم كالأحناف فى هذا.
الثانى: أن يكثر عدد الطاهر فذهب بعضهم إلى جواز التحرى لأن الظاهر إصابة الطاهر لأن جهة الإباحة قد ترجحت فجاز التحرى ، وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز التحرى فيها بحال، وهو قول أكثر أصحابه.
ثم قال ابن قدامة(18): إذا أشتبه طهور بماء قد بطلت طهوريته توضأ من كل واحد وضوءا كاملا وصلى بالوضوءين صلاة واحدة، وقال أنه لا يعلم فى ذلك خلافا لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين فلزمه كما لو كانا طهورين ولم يكف أحدهما وهذا غير ما لو كان أحدهما نجسا لأنه ينجس أعضاءه بيقين فلا يأمن أن يكون النجس هو الثانى فإن احتاج إلى أحد الإناءين فى الشرب تحرى وتوضأ بالطهور عنده ويتيمم معه ليحصل له اليقين.
ويقول ابن حزم (19): إن كان بين يدى المتوضىء إناءان فصاعدا ، فى أحدهما ماء طاهر بيقين وسائرها نجس أو فيها واحد نجس وسائرها طاهر ولا يميز من ذلك شيئا فله أن يتوضأ بأيها شاء ما لم يكن على يقين من أنه قد تجاوز عدد الطاهرات وتوضأ بما لا يحل الوضوء به لأن كل ماء منها فعلى أصل طهارته على انفراده. فإذا حصل على يقين التطهر فيما لا يحل التطهر به فقد حصل على يقين الحرام فعليه أن يطهر أعضاءه إن كان ذلك الماء حراما استعماله جملة،. فإن كان فيها واحد " معتصر " لا يدريه لم يحل له الوضوء بشىء منها لأنه ليس على يقين من أنه توضأ بماء واليقين لا يرتفع بالظن.
وأما الزيدية(20) فيقولون كالشافعية: إن التحرى مشروع عند لبس الطاهر بالنجس مطلقا لوجوب العمل بالظن.
ونقل صاحب البحر عن الأكثر- العترة والأئمة الأربعة- أنه لابد فى التحرى من اجتهاد بأمارة من ترشيش أو غيره فإن أريقت الأنية كلها إلا واحدا فوجوه، أصحها تبين طهارة الباقى رجوعا إلى الأصل وقيل يتيمم إذ لا تحرى إلا بين اثنين وقيل يتحرى فى الباقى لإمكانه.
وإذا ظن قبل الصلاة أن الذى توضأ به هو النجس يتيمم لبطلان الأول فإن وجد أناء تيقن طهارة مائه ترك الملتبس حتما إذ لا يكفى الظن مع إمكان اليقين، ونقل عن الأكثر أن له التحرى.
ونقل عن المنصور بالله وبعض البغداديين أنه إذا التبس قراح(أى طهور) بطاهر غير مطهر استعملها لتيقن الامتثال.
وهذا النقل كالذى سبق عن المالكية ونقل عن الخرسانيين أنه يتحرى فى هذا أيضا.
ولم نقف للجعفرية على كلام فى مسألة اختلاط الأوانى.
الإباضية:
وإن اختلط إناء نجس أو اثنان أو أكثر بإناء طاهر أو إناءين أو أكثر، تطهر بأحدهما وأمسك عن ثوبه حتى يجف بدنه ثم يصلى ثم بأخر كذلك إلى آخرها ويصادف الطاهر ولابد أن يتطهر بعد لا مكان أن يكون ختم بالنجس، وذلك خطأ، لأنه يتنجس بأحدها ويتوضأ بلا غسل النجس إن كان يتوضأ وكذا الاغتسال إلا أن ينوى بالمرتين غسل النجس إن كان ما قبله نجسا عند اللّه وبالمرة بعد دفع الحدث أو ينوى الأولى مثلا أن كان ظهر عند الله ما قبلها.
وقيل يتحرى أحدها فيستعمله وهو خطأ إذ لا يعمل على شك .
والصواب أن يتيمم. وزعم بعض أنه جلطها كلها فلا يبقى معه طاهر فيكون غير واجد وهو ضعيف .
وقيل إن كانت طاهرة إلا واحدا تطهر بواحد ولزمه شراء الماء أو الآلة بالثمن فى محله أو أقل لا بأكثر(21).
تطهير الأوانى:
قال الحنفية (22): تطهر الآنية المصقولة التى لا مسام لها من النجاسة بمسح يزول به أثرها مطلقا سواء كانت النجاسة لها جرم أو لا رطبة و يابسة، مع أن الأصل فى التطهير عندهم هو الماء.
ولم تذكر المذاهب الأخرى تطهيرا للآنية بغير الماء إلا ما ذكر من خلاف فى أهاب الحيوان .
ونقل ابن عابدين عن الخانية أن الظاهر أن اليابسة ذات الجرم تطهر بالحت والمسح. بما فيه بلل ظاهر حتى يذهب أثرها.
وقالوا (23) فى سؤر الكلب أنه نجس ويغسل الإناء من ولوغه فيه ثلاثا (انظر سؤر طهارة).
ويقول المالكية (24): بكراهة استعمال إناء ولغ فيه الكلب وماؤه قليل ولو تحققت سلامة فمه من النجاسة، وعندهم (25) قول فى المذهب بأن مسح الصقيل وتدخل فيه بعض الآنية مطهر له (انظر سؤر).
ويقول الشافعية (26): ما تنجس- بملاقاة شىء من الكلب سواء كان بجزء منه أو من فضلاته غسل سبعا إحداهن بالتراب. وقالوا إن الخنزير كالكلب فى الأظهر لأنه أسوأ حالا منه.
وقال الحنابلة (27): كل إناء حل فيه نجاسة من ولوغ كلب أو بول أو غيره فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب.
وعن أحمد أنه يجب غسلها ثمانية إحداهن بالتراب، فإن جعل مكان التراب غيره من الأشنان والصابون والنجاسة ففيه وجهان (انظر سؤر).
المذهب الظاهرى (28): يقول ابن حزم أن تطهير الإناء إذا كان لكتابى مما يجب التطهير منه يكون بالماء، إذا لم يجد غير ذلك الإناء سواء علم فيه نجاسة أو لم يعلم فإن كان إناء مسلم فهو طاهر فان تيقن فيه ما يلزمه اجتنابه فبأى شىء أزاله كائنا ما كمان من الطاهرات إلا أن يكون لحم حمار أهلي أو ودكه أو شحمه أو شينا منه فلا يجوز أن يطهر إلا بالماء، فإن ولغ فى الإناء كلب مطلقا صغيرا أو كبيرا كلب صيد او غيره غسل بالماء سبع مرات ولابد أولاهن بالتراب مع الماء فإن كل الكلب فى الإناء أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع بكله فيه لم يلزم غسل الإناء ولا إراقة ما فيه(انظر سؤر).
الجعفرية (29): يطهر الإناء المتنجس بصب الماء عليه مرتين. ويكفى صب الماء فيه بحيث يصيب النجس وإفراغه منه ولو بآلة لا تعود اليه ثانيا إلا طاهرا، وإن ولغ فى الإناء كلب قدم علق الغسلتين بالماء مسحه بالتراب الطاهر دون غيره مما أشبهه وألحق بولوغ الكلب لطمه الإناء دون مباشرته له بسائر أعضائه، وقالوا لو تكرر الولوغ تداخل كغيره من النجاسات ويستحب غسله سبع مرات خروجا من خلاف من أوجبها كما تستحب السبع عندهم فى الفأرة والخنزير.
الزيديه (30): نقل صاحب البحر عن العترة والشافعى وأصحابه أن طهارة الصقيل كالخشن بالغسل خلافا للأحناف الذين قالوا تطهر بالمسح.
ونقل (31) عند كلامه عن سؤر الكلب أنه يكفى عند العترة التثليث بالغسل من ولوغ الكلب.
الإباضية: وكل إناء تنجس وإن بكونه من ذمى احتج إليه واستحسن التعجل بإزالة النجس وأن يمسح عند تعذر الماء. والنطفة والغائط والقىء إذا خالطا أناء فيصح غسلها منه ولو رطوبات غير مقشرات ولا مخلوطات بتراب؟
ويصعب فى مصنوع كقصعة وفخار أن سبق النجس إليه قبل كل مائع هل يطهر بالماء ثلاثا بإبقائه فيه كل مرة يوما وليلة ثم يراق أو ليلا فقط فيراق نهارا ويصل فى الشمس فارغا إلى الليل أو بماء واحد يوما وليلة أو لا حد فى ذلك إلا غلبة الظن بالطهارة وبلوغها حيث بلغ النجس أقوال (32). ويقولون: يسن غسل أناء ولغ فيه الكلب غير المعلم على الصحيح سبعا أولاهن وأخراهن بتراب، وصحح الجواز بثلاث كغيره.
الضمان:
نقصر الكلام فيما يتعلق بالضمان فى الآنية على ما له أحكام خاصة فى المذاهب التى أفردت أحكامها لبعضها كآنية الذهب والفضة وآنية الخمر وهو ما قاله ابن حزم الظاهرى (33) وهو مذهب الشافعية (34)
مذهب الحنابلة (35): من كسر آنية من ذهب أو فضة لم يضمنها لأن اتخاذها محرم وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه يضمن فإن بعضهم نقل عنة فيمن هشم على غيره إبريقا فضة علية قيمته بصوغه وكان قيل له أليس قد نهى النبى عن اتخاذها فسكت ، والصحيح أنه لا ضمان علية ، نص علية أحمد فى رواية المرزوى فيمن كسر إبريق فضة أنه لا ضمان علية لأنه اتلف ما ليس بمباح فلم يضمن كالميتة ، ورواية البعض السابقة تدل على أنة رجع عن قولة بعدم الضمان لكونه سكت حين ذكر لسائل تحريمه ، وإن كسر آنية الخمر ففيها روايتان:
أحدهما: يضمنها لأنة مال يمكن الانتفاع به ويحل بيعة كما لو لم يكن فيها خمر ، ولأن كون جعل الخمر فيها لا يقتضى سقوط ضمانها كالبيت الذى جعله مخزنا للخمر.
والثانية: لا يضمن لما روى احمد فى سنده بسنده لعبد الله بن عمر قال: أمرنى رسول الله أن آتيه بمدية فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال اغد بها على ففعلت ، فخرج بأصحابه الى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام فأخذ المدية منى فشق ما كان تلك الزقاق بحضرته كلها ، وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معى ويعاونونى ، وأمرني أن آتى الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت.
يقول الشافعى (36) : فى إناء الخمر إن بلغ نصابا ولم يقصد - آخذه - بإخراجه إراقتها ، وقد دخل بقصد السرقة قطع به على الصحيح أما لو قصد بإخراج الإناء تيسر إفساد الخمر وإن أخرجه بقصد السرقة فلا قطع.
يقول الأحناف (37): أنه لا قطع إناء الخمر ولو كان ذهبا لأن الإناء تابع ولم يقطع فى المتبوع. فكذا فى التبع. وفى رواية عن أبى يوسف انه يقطع ورجحة فى الفتح فيما تعاين ذهبيتة بأن الظاهر إن كلا مقصود بالأخذ بل أخذ الإناء أظهر (38)
ويقول الشيعة الجعفرية (39): يجب على صاحب آنية الذهب والفضة كسرها ، وأما غيره إن علم إن صاحبها يقلد من يحرم اقتناءها أيضا وإنهما من الأفراد المعلومة فى الحرمة يجب علية نهيه. وإن توقف على الكسر يجوز له كسرها ولا يضمن قيمة صياغتها نعم لو اتلف الأصل ضمن وإن احتمل أن يكون صاحبها ممن يقلد من يرى جواز الإقتناء أو كائنا مما محل خلاف فى كونه آنية أم لا. لا يجوز له التعرض له.

__________

(1) حاشية ابن عابدين ج5 ص 238
(2) حاشية ابن عابدين على شرح الرد لمتن التنوير ج5 ص 252
(3) حاشية ابن عابدين ج5 ص 238
(4) حاشية ابن عابدين على شرح الرد لمتن التنوير ج5 ص 252
(5) شرح الدردير مع حاشية الدسوقى ج1 ص 64 المطبعة الأزهرية بمصر.
(6) الجوهرة النيرة على مختصر القدوري ج 2ص383 طبع إستامبول سنة 1301هجرية
(7) حاشية ابن عابدين ج5 ص236 المطبعة الميمنية سنة 1307هجرية
(8) الاقناع وحاشية البجرمى ج1 ص 101 ، 102 طبعة القاهرة.
(9) الاقناع وحاشية البجرمى ج1 ص 104
(10) المغنى ج1 ص 75، 77
(11) المغنى ج1 ص 78 طبعة دار المنار سنة 1376هجرية
(12) المحلى ج1 ص 391 مطبعة الإمام بالقاهرة.
(13) البحر الزخار ج 1 ص41 مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1366هجرية.
(14) مستمسك العروة الوثقى الطبعة الثانية بالنجف سنة 1336 هجرية الآية الله العظمى الطباطبائى ج2 ص130 وما بعدها
(15) شرح النيل ج1ص53،54.
(16) حاشية الطحطاوى ج1 ص21.
(17) المغنى ج1ص60.
(18) المرجع السابق ص63.
(19) المحلى ج2 ص225
(20) البحر الزخار ج1 ص39
(21) شرح النيل ج2 ص 298
(22) الدر وحاشية ابن عابدين ج1 ص 226
(23) الهداية ج1 ص 12
(24) حاشية الدسوقى ج1 ص 43
(25) المرجع السابق ص 43
(26) نهاية المحتاج ج1 ص 234
(27) المغنى ج1 ص 52
(28) المحلى ج1 ص 92 فما بعدها
(29) الروضة البهية ج1 ص 20
(30) البحر الزخار ج1 ص 18
(31) المرجع السابق 20
(32) شرح النيل ج1ص243،285،286،287
(33) محلى ج7 ص 171.
(34) نهاية المحتاج ج5 ص 166
(35) المغنى ج5 ص 278
(36) نهاية المحتاج ج7 ص 421
(37) ابن عابدين ج3 ص 315
(38) الاختيار ج3 ص 63 طبعة الحلبى سنة 1355 هجرية
(39) مستمسك العروة الوثقى ج2 ص 155 ، 156 مطبعة النجف.
(1/16)
آية

معنى الآية فى اللغة:
قال فى القاموس: الآية العلامة، والشخص و الجمع آيات وآى ، والعبرة والإمارة، ومن القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه (1).
الآية فى الاصطلاح:
قيل الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها ليس بينها شبه بما سواها. وقال ابن المنير فى البحر: ليس فى القرآن كلمة واحدة آية إلا " مدهامتان ". وقال بعضهم: الصحيح أنها إنما تعلم بتوقيف من الشارع لا مجال للقياس فيه كمعرفة السورة.فالآية ، طائفة حروف من القرآن علم بالتوقيف بانقطاعها معنى عن الكلام الذى قبلها وعن الكلام الذى بعدها (2).
هل البسملة آية من القرآن أو بعض: لاخلاف بين علماء المسلمين فى أن البسملة الواردة فى سورة النمل من قوله تعالى: " أنه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم (3) " ليست آية كاملة بل هى بعض آيه.
وإنما الخلاف بينهم فى البسملة الواردة فى أوائل السور ما عدا براءة.
ففى المجموع للنووى قال: هناك رواية للإمام أحمد أنها ليست من الفاتحة (4).
وفى المجموع أيضا قال مذهبنا(أى الشافعية) أن بسم الله الرحمن الرحيم آية كاملة بلا خلاف، وليست فى أول براءة بإجماع المسلمين، وأما باقى السور غير الفاتحة وبراءة ففى البسملة فى أول كل سورة منها ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون وأشهرها، وهو الصواب أو الأصوب: أنها آيه كاملة والثانى أنها بعض آية. والثالث أنها ليست بقرآن فى أوائل السور غير الفاتحة.
والمذهب أنها قرآن فى أوائل السور غير براءة (5).
ثم قال فى المجموع: واحتج أصحابنا بأن الصحابة رضى الله عنهم أجمعوا على إثباتها فى المصحف جميعا فى أوائل السور سوى براءة بخط المصحف بخلاف الأعشار وغيرها فإنها تكتب بمداد أحمر، فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها بخط المصحف من غير تمييز ، لأن ذلك يحمل على اعتقاد إنها قرآن فيكونون مغررين بالمسلمين حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا ، فهذا مما لا يجوز اعتقاده فى الصحابة رضى الله عنهم(6).
وفى حاشية الصفتى للمالكية (7): قال وذهب الإمام مالك وجماعة إلى أن البسملة ليست فى أوائل السور من القرآن أصلا، وإنما هى للفصل بين السور. والدليل على ذلك أحاديث كثيرة منها ما رواه مالك والبخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم.
والحديث القدسى الذى رواه مالك فى الموطأ ومسلم فى صحيحه- واللفظ له - عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج (8) ثلاثا غير تمام فقيل لأبى هريرة: إنا نكون وراء الإمام فقال: اقرأ بها فى نفسك، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: (قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين، ولعبدى ما سأل. فاذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدنى عبدى وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: اثنى على عبدى. وإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدنى عبدى وقال مرة: فوض إلى عبدى. إذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل. فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدى. ولعبدى ما سأل) (9). قال النووى فى شرح مسلم: وهذا من أوضح أدلة المالكية.
وعند الحنابلة: قال فى كشاف القناع: وليست بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة. جزم به أكثر الأصحاب وصححه ابن الجوزى وابن تميم. وصاحب الفروع وحكاه القاضى إجماعا لحديث " قسمت الصلاة ". ولو كانت آيه لعدها وبدأ بها ولما تحقق التنصيف وقال أيضا إنها ليست آية من غير الفاتحة (10).
وعند الإمامية: قال فى تذكرة الفقهاء: البسملة آية من الحمد ومن كل سورة عدا براءة وفى النمل آية (أى فى أولها) وبعض آية أى فى وسطها ، وذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية " الحمد لله رب العالمين" آيتين.
وقال عليه الصلاة والسلام: إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها من أم الكتاب، وإنها من السبع المثانى. وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ومن طريق الخاصة قول الصادق وقد سأله معاويه بن عمار: إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فى فاتحه الكتاب؟ قال نعم: قلت فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة قال: نعم.
وقد أثبتها الصحابة بخط المصحف مع تشددهم فى عدم كتابة ما ليس من القرآن فيه. ومنعهم من النقط والتعشير(11). وعند الزيدية قال فى البحر الزخار: والبسملة آية إذ هى فى المصاحف ولم يثبت فيها(أى المصاحف) غير القرآن. ثم قال: وهى آية من كل سورة لانفصالها معنى وخطا ولفظا... وهى سابعة الفاتحة قطعا لتواترها معها خطا ولفظا. ويؤيد ذلك ما روى عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: كم الحمد آية؟ قال: سبع آيات. قلت: فأين السابعة ؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم
وعن ابن عباس أيضا: " ولقد آتيناك سبعا من المثانى (12) " قال: فاتحة الكتاب.. ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم. وقال: هى السابعة.
وحكى فى الكشاف إنه قال: من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية (13).
وعند الظاهرية قال ابن حزم فى المحلى: ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم آيه من القرآن لم تجزه الصلاة إلا بالبسملة. وهم عاصم ابن أبى النجود وحمزة و الكسائى وعبد الله بن كثير وغيرهم من الصحابه والتابعين رضى الله عنهم.
ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن فهو مخير بين أن يبسمل وبين إلا يبسمل وهم ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب. وفى بعض الروايات عن نافع(14). وعند الحنفية: قال الإمام أبو بكر الحصاص فى أحكام القرآن:
ولا خلاف بين علماء الأمة وقرائها إن البسملة ليست بآيه تامة فى سورة النمل وإنها هناك بعض آية، وإن ابتداء الآية من قوله سبحانه " أنه من سليمان "، ومع ذلك فكونها ليست بآية تامة فى سورة النمل لا يمنع أن تكون آية تامة فى غيرها، لأنا نجد مثل ذلك فى مواضع من القرآن ألا ترى أن قول الله تعالى " الرحمن الرحيم " فى ثنايا سورة الفاتحة آية تامة وليست بآيه تامة من قوله عز وجل " بسم الله الرحمن الرحيم " باتفاق الجميع.
وكذا قوله سبحانه " الحمد لله رب العالمين " آية تامة فى أول الفاتحة. وبعض آية فى قوله تعالى: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (15) "، وإذا كان كذلك احتمل أن تكون بعض آية فى فصول السور، واحتمل أن تكون آية، فالأولى أن تكون آية تامة من القرآن من غير سورة النمل ، لأن التى فى سورة النمل ليست بآية تامة باتفاق الأمة والدليل على أنها آية تامة حديث ابن أبى مليكة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها فى الصلاة فعدها آية. وفى لفظ آخر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان - يعد بسم الله الرحمن الرحيم آية فاصلة، كما رواه الهيثم بن خالد فثبت بهذا إنها آيه إذ لم تعارض هذه الأخبار أخبار غيرها فى كونها آية (16).
وعند الإباضية: فى كتاب النيل وشفاء العليل. والبسملة آية من كل سورة على المختار (17).
آية البسملة فى بدء القراءة:
قال الإمام أبو بكر الجصاص: وافتتاح القراءة بالبسملة أمر ورد مصرحا به فى أول وحى قرآنى أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: " اقرأ باسم ربك الذى خلق " فقد أمر سبحانه فى افتتاح القراءة بالتسمية كما أمر بتقديم الاستعاذة أمام القراءة فى قوله تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم(18) "، والبسملة وإن كانت خبرا فإنها تتضمن معنى الأمر. لأنه لما كان معلوما أنه خبر من الله عز وجل بأنه يبدأ باسم الله ففيه أمر لنا بالابتداء به والتبرك بافتتاحه لأنه سبحانه إنما أخبرنا به لنفعل مثله (19).
آى فاتحة الكتاب سبع:
وهل تقرأ البسملة معها فى الصلاة ؟
فى تفسير القرطبى: أجمعت الأمة على ان فاتحة الكتاب سبع آيات إلا ما روى عن حسين الجعفى انها ست وعن عمرو بن عبيد أنها ثمانى آيات، ويؤيد ما أتفقت عليه الأمة من أن الفاتحة سبع آيات، قوله تعالى: " ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم ".
وقوله صلى الله عليه وسلم: فيما يروية عن ربه عز وجل: "قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين... الحديث "، وبه يرد على هذه الأقوال.
وفى الإتقان للسيوطى: ويردها أيضا ما أخرج الدار قطنى بسند صحيح عن عبد خير قال: سئل على كرم الله وجهه عن السبع المثانى، فقال: الحمد لله رب العالمين.
فقيل له: إنما هى ست آيات
فقال: بسم الله الرحمن الرحيم آية. وأما قراءة البسملة مع الفاتحة فى الصلاة فاختلف الفقهاء فيها على النحو الآتى:
- فكان أبو حنيفة وأصحابه يقولون بقراءتها فى الصلاة سرا، لا يرون الجهر بها لامام ولا لمنفرد، بعد الاستفادة وقبل فاتحة الكتاب تبركا بها فى الركعة الأولى كالتعوذ، باتفاق الروايات عن أبى حنيفة، وذلك مسنون فى المشهور عند أهل المذهب.
وصحح الزاهدى وغيره وجوبها كما فى البحر الرائق، وقال ابن عابدين فى حاشيته على البحر ناقلا عن النهر، والحق أنهما قولان مرجحان فى المذهب، إلا أن المتون على الأول.
واختلف الحنفية فى الإتيان بها فى كل ركعة، ولأبى حنيفة رحمه الله روايتان:
الأولى: ما رواه محمد بن الحسن والحسن بن زياد أنه قال: إذا قرأها فى أول ركعة عند ابتداء القراءة لم يكن عليه أن يقرأها حتى يسلم، لأنها ليست من الفاتحة عندنا، وإنما تفتح القراءة بها تبركا، وذلك مختص بالركعة الأولى شأنها شأن الاستعاذة.
الثانية: ما رواه المعلى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة أنه يأتى بها فى كل ركعة وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، وهو أقرب الى الاحتياط لاختلاف العلماء والأثار ، ولأن التسمية وأن لم تجعل من الفاتحة قطعا بخبر الواحد، لكن خبر الواحد يوجب العمل فصارت من الفاتحة عملا(20).
وقالت المالكية: تكره البسملة فى صلاة الفرض لكل مصل، إماما كان أو مأموما أو منفردا، سرا كانت الصلاة أو جهرا، فى الفاتحة وغيرها، قال ابن عبد البر:
هذا هو المشهور عن الإمام مالك رضى الله عنه وبه وردت السنة المطهرة، وعليه عمل الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم. قال أنس رضى الله عنه: صليت خلف رسول الله صلى عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى، فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم اسمعهم يبسملون.
وقيل بإباحتها ، و قيل بندبها، وقيل بوجوبها. قال القرافى وغيره: الورع البسملة أول الفاتحة للخروج من الخلاف.
ثم قال: ومحل كراهة الإتيان بالبسملة إذا لم يقصد الخروج من خلاف المذاهب فإن قصده فلا كراهة (21).
وفى حاشية الصفتى. قال: وأما التسمية فى النافلة فجائزة مطلقا فى السر والجهر، فى الفاتحة والسورة (22).
وعند الشافعية: آيه البسملة تفرض قراتها مع الفاتحة ، لأنها آية مكملة لها فلا تكمل الفاتحة بدونها.
قال فى شرح الإقناع: " الرابع من أركان الصلاة قراءة الفاتحة فى كل ركعة، وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها لما روى إنه صلى الله عليه وسلم عد الفاتحة"سبع آيات، وعد بسم الله الرحمن الرحيم آيه منها " رواه البخارى فى تاريخه.
وروى الدار قطنى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قرأتم الحمد لله فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم، انها أم الكتاب وأم القرآن والسبع المثانى، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها ".
وروى ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم عد بسم الله الرحمن الرحيم آية ،. والحمد الله رب العالمين... إلى آخرها ست آيات (21).
مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة فى المغنى: واختلفت الروايات فى البسملة عن الإمام أحمد،هل هى آية من الفاتحة تجب قراءتها فى الصلاة أو لا ؟ فعنه إنها من الفاتحة ، لحديث أم سلمة وحديث أبى هريرة " إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم ".
ولأن الصحابه إثبتوها فى المصحف، ولم يثبتوا بين الدفتين سوى القرآن.
وروى عن الامام احمد إنها ليست من الفاتحة، ولا آية من غيرها ، ولا تجب قراءتها فى الصلاة. وهى الرواية المقصودة عند أصحابه، والدليل على أنها ليست آيه من الفاتحة حديث " قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين.. إلخ (22) ".
مذهب الإمامية: قالوا البسملة آية من الحمد ومن كل سورة، عدا براءة أى فتجب قراءتها فى الصلاة.
قال فى تذكرة الفقهاء: البسملة آية من الحمد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم، وعدها آيه... إلى آخر الحديث وقال عليه الصلاة والسلام: " إذا قرأتم الحمد فاقراوا بسم الله الرحمن الرحيم... إلخ "(23)
وفى مجمع البيان للطبرسى قال: اتفق أصحابنا على ان بسم الله الرحمن الرحيم آيه من سورة الحمد وان من تركها فى الصلاة بطلت صلاته سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا (24).وعند الزيدية: البسملة آية من الفاتحة أى"فتجب قراءتها مع الفاتحة وتبطل الصلاة بتركها.
قال فى البحر الزخار(وهى أى البسملة) سابعة الفاتحة قطعا لتواترها معها خطأ ولفظا ويؤيده الأخبار التي سبق الاستدلال بها على أنها آية من الفاتحة فى مذهبهم.
، فى فقه الإباضية من كتاب النيل: قال " ولزمت البسملة مع الفاتحة وهى أية من أول كل سورة على المختار سرا فى سر ، وجهرا فى جهر. وإن تعمد تركها أعاد صلاته. وأن تذكر البسملة فى ركوع مضى. وهل يرجع إليها إن ذكرها فى قراءة ما لم يتم الفاتحة أو السورة؟ قولان ... ويعيدها ما قرأ إن رجع "(25).
مذهب الظاهرية: سبق ذكر رأى صاحب المحلى فى هذا عند الكلام على كونها آيه من كل سورة.
الآيات التى يطلب قراءتها مع الفاتحة فى الصلاة وحكم البسملة معها:
قال فى البدائع: والواجب عند الحنفية آية طويلة أو ثلاث آيات قصار أو سورة تعدل ثلاث آيات من أى جهة من القرآن شاء لما روى " لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وسورة معها " وفى رواية " و شىء معها ". ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأقل السور ثلاث آيات.
وفى فقه الإباضية: فرض الصلاة قراءة سورة مع الفاتحة بمحل الجهر على خلاف فى مقدار هذه السورة (26).
وعند المالكية: قال فى الشرح الصغير وسن قراءة آية(أى بعد الفاتحة) و اتمام السورة مندوب ويقوم مقام الآية بعض آيه طويلة له بال أى شأن نحو " الله لا إله إلا هو الحى القيوم (27) "، ولايكفى قراءة ذلك قبل الفاتحة. وإنما يسن ما زاد على أم القرآن فى الركعة الأولى والثانية إذا اتسع الوقت فإن ضاق بحيث يخشى خروجه بقراءتها لم تسن بل يجب تركها لإدراكه (28).
وعند الشافعية: يسن قراءة سورة ولو قصيرة فى الركعتين الأوليين من كل صلاة ولو نفلا بعد الفاتحة وذلك هيئة من هيئات الصلاة ولو تركها لا يسجد للسهو عنها.
ففى شرح الوجيز للرافعى قال: ويسن للإمام والمنفرد قراءة سورة بعد. الفاتحة فى ركعتى الصبح والأوليين من سائر الصلوات، وهذأ يتأدى بقراءة شىء من القرآن لكن السورة أحب حتى أن السورة القصيرة أولى من بعض سورة طويلة (29)
وعند الحنابلة: قال فى كشاف القناع:
" ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة كاملة "، ولا خلاف بين أهل العلم فى استحباب قراءة سورة مع الفاتحة. فى الركعتين الأوليين من كل صلاة وتجزىء آية، إلا أن استحب أن تكون الأيه طويلة، كآية الدين وآيه الكرسى ، لتشبه بعض السور القصار (30).
وعند الإمامية ، قال فى المختصر النافع:
" وفى وجوب سور مع الحمد فى الفرائض للمختار مع سعة الوقت وإمكان التعلم قولان أظهرهما الوجوب " (31).
عند الزيدية: قال فى الروض النضير: ذهب القاسم والهادى والمريد بالله واختاره صاحب النجوم، ويحكى عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعثمان بن إبى العاص الى أنه لابد من شىء مع الفاتحة.
فقال الهادى: ثلاث آيات لتسمى قرآنا. وقال القاسم والمزيد بالله أو آية طويلة. واحتجوا بحديث أبى داود والنسائى. " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا " (32)
ومذهب الظاهرية: قال ابن حزم فى المحلى: " والجمع بين السور فى ركعة واحدة فى الفرض والتطوع أيضا حسن، وكذا قراءة بعض السور فى الركعة فى
الفرض والتطوع أيضا حسن الإمام والفذ " (33).
هل الآية الواحدة تكفى فى الصلاة بدل الفاتحة ؟
مذهب جميع الأئمة فرضية قراءة الفاتحة فى الصلاة ما عدا مذهب الحنفية غير أن أبا حنيفة رحمه الله قال فيمن لا يحسن إلا آية واحدة لا يلزمه تكرارها بل يكفيه قراءتها مرة واحدة. وقال صاحباه لابد من ثلاث آيات.
أما مذهب الحنفية فان الفرض الذى تصح به الصلاة هو مطلق القراءة وعند أبى حنيفة يكفى قراءة آية ولو قصيرة وعند الصاحبين لابد من قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة بمقدارها.
اما العاجز فقد قال فى منية المصلى:
" ومن كان لايحسن إلا قراءة آية واحدة من القرآن لا يلزمه تكرار تلك الآية عند أبى حنيفة ، وعندهما يلزمه التكرار ثلاث مرات. بناء على أن مذهبهما أن صحة الصلاة تتوقف على قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة تبلغ هذا المقدار من القراءة (34).
ثم قال: وأما القادر على قراءة آيه واحدة لو كرر نصف تلك الآية مرتين أو كرر كلمة مرارا حتى بلغ قدر آيه لا يجوز عند أبى حنيفة. وكذا القادر على قراءة ثلاث آيات لو كرر آية ثلاث مرات لا يجوز عندهما لأن التكرار لا يؤدى معنى المجموع من القرآنية فلا تجزىء عنه عند القراءة(35).
قراءة الآية بغير العربية فى الصلاة
مذهب الأئمة جميعا ما عدا الحنفية أنه لا تجزئ القراءة بغير العربية فى الصلاة مطلقا، سواء كان قادرا على العربية أم عاجزا عنها. أما الحنفية فقد قال فى الهداية " ثم جواز الصلاة وصحتها كما يثبت بالقراءة بالعربية يثبت بالقراءة بغيرها فارسية كانت أو غير فارسية وهو الصحيح من مذهب أبى حنيفة "(36)
وزاد فى المبسوط سواء كان يحسن العربية أو لا يحسنها ، فالقراءة جائزة غير أنه يكره أن كان يحتقن العربية، وقال أبو يوسف ومحمد إن كان لايحسن العربية يجوز. وإن كان يحسن العربية لا يجوز.
هل يغنى عن الآية أو الآيات شئ من الذكر أو الدعاء فى الصلاة
عند الشافعية والظاهرية: من عجز عن الفاتحة وغيرها من القرأن يأتى بذكر ودعاء بدلها وإن عجز عن الذكر والدعاء سكت بمقدار الفاتحة وليسع فى تعلمها وجوبا.
وعند الزيدية: من لا يحسن الفاتحة يسبح الله ويذكره بدل الفاتحة. قال فى الروض النضير: سألت زيد ابن على عن الأمى الذى لا يحسن أن يقرأ كيف يصلى؟
فقال: يسبح ويذكر اللّه تعالى ويجزئه ذلك (37).
وعند المالكية: إن لم يجد معلما أو لم يقبل التعليم يأتم بمن يحسنها. فإن لم يجد إماما سقطت القراءة عنه (38).
وعند الإمامية: قال فى المختصر النافع: ولو عجز سبح الله وكبره و هلله بقدر القراءة (39).
وعند الإباضية: أن قرأ القرأن بغير العربية أو قرأ غير القرآن فسدت الصلاة(40).
آيات سجود التلاوة:
تسمى سجود القراءة وسجود العزائم، كما فى المصباح. وعزائم السجود ما أمر بالسجود فيها وعدد آيات سجود. التلاوة عند الأحناف والشافعية والحنابلة والظاهرية أربع عشرة سجدة إلا أن بينهم خلافا فى تعيينها سنذكره إن شاء الله بعد.
وعند المالكية: عددها إحدى عشرة سجدة لأنهم يقولون ليس فى المفصل منها شىء.
وعند الإمامية والزيدية: إن آى السجود فى أربع سور من القرآن:
ا- حم السجدة، فصلت.
2- ألم، تنزيل (41).
3- سورة النجم.
4- وسورة اقرأ.
تعيين آيات السجود عند غير الإمامية و الزيدية:
اتفق الفقهاء ما عدا الإمامية و الزيدية
على عشرة مواضع:
1- آخر سورة الأعراف وهى قوله تعالى: " إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته و يسبحونه وله يسجدون ".
2- فى سورة الرعد وهى قوله تعالى " ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها و ظلالهم بالغدو والآصال ".
3- فى سورة النحل وهى قوله " ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ".
4- فى سورة الإسراء وهى قوله تعالى: " إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ".
5- فى سورة مريم وهى قوله تعالى:" أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا وأجتبينا ، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ".
6- الأولى من سورة الحج وهى قوله تعالى: " ألم تر أن الله يسجد له من فى
السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب، ومن يهن الله فما له من مكرم، ان الله يفعل ما يشاء".
7- فى سورة الفرقان وهى قوله تعالى: " وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ".
8- فى سورة النمل وهى قوله تعالى: " ألا يسجدوا لله الذى يخرج الحبء فى السموات والأرض، ويعلم ما تخفون وما تعلنون. الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ".
9- فى سورة ألم تنزيل، السجدة، وهى قوله تعالى: " إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ".
10- فى حم، فصلت، السجدة وهى قوله تعالى: " ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبدون، فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون "
وأما الآيات التى أختلف فيها الأئمة فهى آيه " ص " والآية الأخيرة من سورة الحج، والآيات الثلاث التى فى المفصل، واليك بيان مذاهبهم فيها:
فأما المالكية: فاعتبروا آيه " ص " هى الحادية عشرة، وهى قوله تعالى " وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب "
واقتصروا فى عد آيات السجود على ذلك، ولم يعدوا منها آيات المفصل الثلاثة كما سبق.
وأما الأحناف فانهم وإن وافقوا المالكية فى عد آية " ص " من آيات السجود إلا أنهم زادوا على المالكية ثلاث آيات فى المفصل وهى ما يأتى:
1- فى سورة النجم وهى قوله تعالى: " أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون. وأنتم سامدون. فاسجدوا لله و اعبدوا".
-2- فى سورة الانشقاق، وهى قوله تعالى: " فما لهم لا يؤمنون. واذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ".
3- فى سورة العلق، وهى قوله تعالى:
" كلا لا تطعه واسجد واقترب "... فهى عندهم أربع عشرة سجدة وآية " ص " منها.
وأما الشافعية: فقالوا أيضا: انها أربع عشرة سجدة ولم يعدوا آية " ص ". منها، بل عدوا بدلها الآيه التى فى آخر سورة الحج وهى قوله تعالى: " يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ".
ووافق الحنابلة الشافعية فى عد لثانية من سورة الحج ولم يعدوا آبه " ص " من عزائم السجود بل اعتبروها كالشافعية سجدة تثكر تسن فى غير صلاة، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " سجدها داود توبة ونسجدها شكرا " رواه النسائى.
وأما الظاهرية: فقد وافقوا الأحناف فى عد آيه " ص " ولم يعدوا الآية الأخيرة من سورة الحج.
وقد علم مما سبق ان الإمامية (42) و الزيدية (43) يعدون آيات السجود أربعا فقط. ويقولون لما روى عن على عليه السلام أنه قال: عزائم القرآن أربع:
1- حم، السجدة، فصلت.
2- الم تنزيل، السجدة.
3- سورة النجم.
4- سورة اقرأ باسم ربك.
وسائر ما فى القرآن ان شئت فاسجد،
وان شت فاترك
وفى رواية ذكر سورة إذا السماء انشقت بدلا من سورة النجم، والذى حكاه فى مجموع زيد بن على عليه السلام نحو الرواية الأولى فقط.
ومذهب الإباضية فى آيات السجود: قال
فى النيل: " سن للتلاوة والسجود بلا إحرام ولا سلام بعده فى:
- خاتمة الأعراف.
2- الرعد.
3- النحل.
4- ا لا سراء.
5- مريم.
6- الحج.
7- الفرقان.
8- النمل.
9- الم تنزيل.
10- "ص".
11- حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، عند قوله تعالى " لا يسأمون " (44).
حكم قراءة آية أو كتابتها للجنب و الحائض و النفساء وحكم مس آية وحملها لغير المتوضئ
مذهب الأحناف: قال فى الفتاوى الهندية وغيرها: يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءة شئ من القرآن ولو بالفارسية قل أو كثر، والآية ومادون الآية سواء فى التحريم على الأصح إلا إذا لم يقصد قراءة القرآن بما دون الآية مثل أن يقول الحمد لله عند الخبر السار أو يقصد بذلك شكر نعم الله تعالى عليه، أو يقول بسم الله عند الأكل أو الشرب أو للتبرك بها عند دخول مكان أو بدء عمل، أو سبحان الله عند ألاستحسان أو التعجب، أو يقرأ الآيات التى تشبه الدعاء قاصدا الدعاء لا التلاوة، مثل قوله تعالى: " ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار (45) ".. فإن ذلك لا بأس به.
ولو قصد التعليم ولقن الآيه كلمة كلمة مع قطع الكلمات بعضها عن بعض جاز.
وكذا التهجى، والحائض والجنب فى ذلك - سواء على ما هو المختار من المذهب (46).
وفى الدر المختار مع حاشية ابن عابدين، وكذا يحرم على من أحدث حدثا أصغر
أو أكبر مس أى شىء مكتوب فيه آية أو أقل مثل الدرهم والجدار والورق وكذا المصحف (47).
وعند المالكية: قال. فى الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى ، ومنع حدث أصغر أو
أكبر مس مصحف سواء كان مصحفا جامعا أو جزءا أو ورقة فيها بعض سورة أو لوحا
أو كتفا عليها آية أو آيات مكتوبة (48).
وعند الشافعية: قال ابن حجر،- ويحرم بالحدث الأصغر حمل المصحف ومس ورقه وحواشيه وجلده المتصل به لا المنفصل عنه (49).
مذهب الحنابلة: قال فى كشاف القناع، ويحرم على المحدث ولو أصغر مس مصحف وبعضه ولو من صغير حتى جلد المصحف وحواشيه وما فيه ومن ورق أبيض لأنه يشعله
اسم المصحف (50).
مذهب الظاهرية: قال ابن حزم فى المحلى وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز كل ذلك بوضوء وبغير وضوء وللجنب وللحائض(51).
مذهب الإمامية: قال فى تذكرة الفقهاء:يحرم على الجنب قراءة العزائم دون ما عداها ويكره ما زاد على سبع آيات من غيرها.
وتتأكد الكراهة فيما زاد على سبعين (52).
مذهب الزيدية: قال فى البحر الزخار ما نصه: ولا يقرأ الجنب والحائض باللسان أو الكتابه المرتسمة ولو بعض آية، ويجوز ما فعل لغير التلاوة، وفى الروض النضير ما يفيد عدم جواز مس المصحف لهما (53).
مذهب الإباضية: قال: فى النيل: والأكثر على منع الجنب من القراءة ومس المصحف (54) ومنع الحائض من القراءة ومس المصحف (55).
حكم قراءة آية أو أكثر أو كتابتها وحملها لدفع ضر أو جلب نفع
- وقد ذكر الحافط ابن حجر فى فتح البارى ما يلى: قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
ا- أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
2- أن يكون باللسان العربى أو بما يعرف معناه من غيره.
3- أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها (56) (انظر: رقية)
وقال الخطيب الشربينى الشافعى فى آخر باب الحيض: ويحرم مس ما فى لدرس قرآن ولو بعض آيه كلوح، لأن القران قد أثبت فيه الدراسة فأشبه المصحف.
أما ما كتب لغير الدراسة كالتميمة وهى ورقة يكتب فيها شئ من القرآن وتعلق على الرأس مثلا للتبرك. فلا يحل مسها ولا حملها.
ثم قال: ويكره كتابه الحروز (التمائم) وتعليقها ألا اذا جعل عليها وقاية كشمع أو نحوه.
ثم قال: ولا يكره كتب شئ من القرآن فى إناء ليسقى ماؤه للشفاء، وأكل الطعام (أى المكتوب عليه قرآن) كشرب الماء لا كراهة فيه (57).
حكم أخذ الاجرة على قراءة آية أو تعليمها
قال ابن عابدين فى حاشيته على الدر المختار: واختلف فى أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقال الحاكم من أصحابنا فى كتابه الكافى: ولا يجوز أن يستأجر رجل رجلا ليعلم أولاده القرآن والفقه... إلخ.
ثم قال: وفى خلاصة الفتاوى لا يجوز الاستئجار على الطاعة كتعليم القرآن والفقه والأذان، يعنى لا يجب الأجر.
وفى الزيلعى: والفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن، وهو مذهب المتأخرين من مشايخ بلخ ، استحسنوا ذلك وقالوا: بنى المتقدمون الجواب على ما شاهدوه من قلة الحفاظ ورغبة الناس، وكان لهم عطيات فى بيت المال، فكانوا يفتون بوجوب التعليم خوفا من ذهاب القرآن. وتحريضا على التعليم فيكثر حفاظ القرآن. وأما اليوم فذهب ذلك كله، واشتغل الحفاظ بمعاشهم، وقل من يعلم حسبة، ولا يتفرغون له أيضا فان حاجتهم تمنعهم من ذلك، فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر لذهب القرآن. فأفتوا بذلك لذلك ورأوه حسنا، وقالوا: الأحكام تختلف
بإختلاف الزمان. ألا ترى أن النساء كن يخرجن الى الجماعات فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وفى زمن أبى بكر رضى الله عنه حتى منعهن عمر رضى الله عنه واستقر الأمر عليه وكان ذلك هو الصواب (58).
وقال الصنعانى فى سبل السلام: ذهب الجمهور ومالك و الشافعى إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن سواء كان المتعلم صغيرا أم كبيرا و لو تعين تعليمه، عملا بحديث البخارى عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم: " ان أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " (59).
وقال ابن حزم فى المحلى: والإجارة جائزة على تعليم القرأن وعلى تعليم العلم مشاهرة وجملة وكل ذلك جائز، وعلى الرقى وعلى نسخ المصاحف ونسخ كتب العلم لأنه لم يأت فى النهى نص، بل جاءت الاباحة فى حديث " أن أحق ما أخذتم عليه أجرأ كتاب الله (60)
وفصلت الإمامية بين الأجر الذى يؤخذ بطريق الاشتراط وبين ما لم يكن مشروطا بل جاء بطريق الإهداء:
1- ففى تذكرة الفقهاء قال: يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحكم والآداب والأشعار وتكره على تعليم القرآن، لحديث " من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة "
2- وورد عن الصادق عليه السلام قال:
" المعلم لا يعلم بالأجرة ويقبل الهدية إذا أهدى اليه ".
3- ولا تنافى بين الخبرين لأن الأول محمول على أنه لا يجوز له أن يشارط فى تعليم القرآن أجرا معلوما. والثانى على أنه ان أهدى إليه بشىء ، وكرم بتحفة جاز له أخذها (61).
وفى كشاف القناع: ويحرم ولا يصح اجارة على عمل لا يقع الا قربه لفاعله ويصح أخذ جعالة على ذلك كما يجوز أخذه عليه بلا شرط وكذا حكم الرقية (62).
مذهب الإباضية: فى حكم أخذ الأجرة على التعليم والقراء ة ، قال فى النيل (63): " وجاز أخذ عوض على تعليم القرآن وعمل مؤد لنفعه ونفع مؤاجره ".
هل تعليم آية او آيات من القرآن
يجزئ مهرا الزوجة
قال فى البحر الرائق شرح كنز الدقائق:
" يجب مهر المثل اذا جعل الصداق تعليم القرآن لأن المشروع إنما هو الابتغاء بالمال.، أى وهو قوله تعالى: " وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين " (64).
والتعليم ليس بمال، وكذا المنافع على أصلنا لأن التعليم عبادة فلا يصح أن يكون صداقا، ولأن قوله تعالى: " فنصف ما فرضتم (65) " يدل على انه لابد أن يكون المفروض مما له نصف حتى يمكنه أن يرجع عليها بنصفه اذا طلقها قبل الدخول بعد القبض، ولا يمكن ذلك فى التعليم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:
" زوجتكما بما معك من القران " فليست الباء متعينة للعوض لجواز أن تكون للسببية أو للتعليل أى لأجل أنك من أهل القرآن أو المراد ببركة ما معك من القرآن فلا يصلح دليلا (66).
وفى حاشية ابن عابدين الحنفى قال: يجب مهر المثل فيما لو تزوجها على أن يعلمها القرآن أو نحوه، لأن المسمى ليس بمال كما فى البدائع لعدم صحة الاستئجار على الطاعات عند أئمتنا الثلاثة رحمهم الله تعالى ثم قال: ولما جوز الامام الشافعى رحمه الله أخذ الأجرة على تعليم القرآن صح تسميته مهرا (67).
وفى كشاف القناع (68): وان أصدقها تعليم شئ معين من القرآن لم يصح الإصداق ، لأن الفروج لا تستباح إلا بالمال لقوله تعالى: " أن تبتغوا بأموالكم " " ومن لم يستطع منكم طولا (69) " والطول المال، ولأن تعليم القرآن قربة، ولا يصح ان تكون صداقا كالصوم. وحديث الموهوبة معناه زوجتكها لأنك من أهل القرآن.
وفى البحر الزخار (70) للزيدية قال: ويصح جعل تعليم القرآن أو بعضه مهرا. فتطالبه بالتعليم على عادة المعلمين، ولها المطالبة بأى السور لاستوائها فى الفضل، فإن سميت بعضا لزمه بعينه لسؤاله صلى الله عليه وسلم خطيب الواهبة عما معه من القرآن فقال البقرة و التى تليها، فقال: " زوجتكها على أن تعلمها عشرين آية " ويصح أصداق الكتابية تعليم القرآن ان رجا إسلامها لقوله تعالى " حتى يسمع كلام الله " (71).
وفى المختصر النافع للإمامية: قال: كل ما يملكه المسلم يكون مهرا عينا كان أو دينا أو منفعه كتعليم الصنعة والسورة ويستوى فيه الزوج و الأجنبى (72).
فى المحلى لابن حزم قال: وجائز أن يكون صداقا كل ماله نصف قل أو كثر ولو إنه حبة بر أو حبة شعير أو غير ذلك، وكذا كل عمل حلال موصوف كتعليم شىء من القرآن، أو من العلم أول البناء أو الخياطة أو غير ذلك اذا تراضيا بذلك (73).
الاستماع الى صدى الصوت
قال فى غنية المتملى ، مذهب الأحناف: ولو تهجى آية السجود لا يجب عليه السجود ولا على من سمعه لأنه تعداد للحروف وليس بقراءة وكذا لايجب بالكتابة أو النظر من غير تلفظ لأنه لم يقرأ ولم يسمع ولو سمعها من الطائر أو الصدى (صدى الصوت) لا يجب السجود لأنها محاكاة (74) (انظر مادة قرآن).
هل الآية الواحدة تسمى قرآنا؟
قال ابن حزم فى المحلى: وبعض الآية و الآية قرآن بلا شك (75).
وقال ابن حزم أيضا: ومن الآيات ما هو كلمة واحدة مثل " والضحى. والعصر. والفجر. و مدهامتان " ومنها كلمات كبيرة (76).
وفى البرهان للزركشى: حد الأيه قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ذو مبدأ ومقطع مندرج فى سورة (78).
وقال فى المجموع للنووى: والمذهب أن البسملة قرآن فى أوائل السور غير براءة وأنها آية كاملة بلا خلاف (79).

__________

(1) ج4 ص302.
(2) نهاية المحتاج ج7ص421
(3) ابن عابدين ج3 ص315.
(4) ج1 ص166.
(5) سورة النمل:30.
(6) ج3 ص334.
(7) ج3 ص333.
(6) ج3 ص335.
(8) ص5 ،6.
(9) الخداج: النقصان.يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج.
(10) صحيح مسلم ج4 ص101 ،102.
(11) ج1 ص223.
(12) ج1 ص113 طبع حجر.
(13) الحجر:87.
(14) ج4 ص244.
(15) ج2 ص251.
(16) سورة يونس:10.
(17) ج1 ص10،11.
(18) ج1 ص60.
(19) سورة النمل:98.
(20) ج1 ص12.
(21) جواهر الأكليل على شرح خليل ج1 ص53.
(22) ص188.
(23) ج1 ص117 ، 118.
(24) ج1 ص480
(25) ج1 ص113
(26) ج1 ص26
(27) سورة البقرة:255.
(28) ج1 ص107.
(29) ج3 ص354.
(30) ج1 ص228.
(31) ج1 ص160.
(32) كتاب النيل ج1 ص61.
(33) ج1 ص54.
(34) ج2 ص22 ، 23.
(35) ج3 ص56.
(36) ج3 ص279.
(37) ج2 ص200.
(38) ج2 ص23.
(39) حاشية الصفتى ص147 ، 148.
(40) ص30.
(41) النيل ج1 ص62.
(42) سورة السجدة.
(43) تذكرة الفقهاء ج1 ص115.
(44) البحر الزخار ج1 ص343.
(45) ج1 ص100 من كتاب النيل.
(46) سورة البقرة:200.
(47) ج1 ص38،39.
(48) ج2 ص122.
(49) ج1 ص135.
(50) ص76 -80.
(51) ج1 ص100 ،101.
(52) ج1 ص77.
(53) ج1 ص23.
(54) ج1 ص103.
(55) ج1 ص17.
(56) ج1 ص34.
(57) ج1 ص153.
(58) ج1ص92.
(59) ج5 ص124.
(60) ج3 ص110.
(61) ج8 ص193.
(62) من تذكرة الفقهاء باب أنواع الكسب ج1.
(63) ج2 ص 300 ، 301.
(64) ج2 ص78.
(65) سورة النساء:24.
(66) سورة البقرة:237.
(67) ج3 ص168.
(68) ج2 ص342 ، 343.
(69) ج3 ص77.
(70) سورة النساء:24 ، 25.
(71) ج3 ص108.
(72) سورة التوبة:6.
(73) ص212.
(74) ج9 ص494.
(75) ج ص 500.
(76) ج1 ص78.
(77) ج1 ص79.
(78) ج1 ص266.
(79) ج3 ص333.
(1/17)
آيس

معنى الإياس
الإياس كما فى القاموس، القنوط وعدم الرجاء ومثله اليأس، وقد عرفه الفقهاء(1) بأنه أن تبلغ المرأة من السن ما لا تحيض فيه مثلها.
سن الإياس
يروى عن أبى حنيفة أن سن الإياس يتحقق بأن تبلغ من السن ما لا تحيض فيه مثلها فإن بلغته وانقطع دمها حكم بإياسها والمماثلة تتحقق بالمشابهة فى تركيب البدن والسمن والهزال
ويقول الحنفية: أنه إذا انقطع دمها قبل أن تبلغ هذه السن كالمرضع فى مدة الرضاع فليست بآيس (2) ، وتلك إذا بلغت ذلك السن والدم يأتيها إذا كانت تراه على العادة.
وقيل (3) إنه يحد بخمسين سنة، وجاء فى التنوير وشرحه أن هذا هو المعول عليه وعليه الفتوى.
وقيل: يحد بخمس وخمسين، وعن محمد بن الحسن أنه قدره فى الروميات بخمس وخمسين سنة، وفى غيرهن بستين وفى رواية (5) عنه بسبعين.
ويقول المالكية: أن الآيسة على سبيل الجزم من بلغت سبعين سنة، وإن المرأة إذا رأت الدم بين الخمسين والسبعين سئل عنه النساء فإن قلن ليس بحيض اعتبرت آيسة وأما من انقطع حيضها بعد الخمسين فهى آيس (6).
ويقول الشافعية: إن المعتبر فى اليأس يأس أقاربها من الأبوين الأقرب فالأقرب، وفى قول عندهم المعتبر يأس كل النساء وحدده بعضهم باثنتين وستين سنة، وقال بعضهم: أقصاها خمس وثمانون وأدناها خمسون (7).
وقد اختلف النقل عن ابن حنبل فى سن اليأس، ففى رواية إن أوله خمسون سنة وفى رواية إن كانت من نساء العجم فخمسون، وإن كانت من العرب فستون، وصحح ابن قدامة أن المرأة إذا بلغت خمسين فأنقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة ، و إن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التى كانت عليها فهو حيض، وإن رأته بعد الستين فليس بحيض (8).
ويقول الشيعة الجعفريه: إن فى حد اليأس روايتين أشهرهما خمسون، والأخرى ستون (9)
وبها قال الزيدية وقالوا أنه الأحوط ولادليل على الأقل (10) وهو اختيار الإباضية أيضا (11).
أما الظاهرية فلم نر لهم تحديدا لسن اليأس، ولكن ابن حزم يعبر عن الآيس بالعجوز المسنة (12).
عدة الآيس:
لاخلاف بين الفقهاء(13) فى أن عدة الآيس إذا كانت مطلقة وهى حرة بعد الدخول بها ثلاثة أشهر هلالية لقوله تعالى: " واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر (14).
أما إذا كانت متوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام كغيرها، وإذا كانت غير مدخول بها فلاعدة عليها كغيرها، والأمة الآيسة عدتها نصف عدة الحرة عند الجمهور على ما هو مبين فى موضعه(انظر "عدة").
الآيس إذا رأت الدم:
يقول الأحناف (15): إذا كانت المرأة آيسة فاعتدت بالشهور فرأت دم الحيض أثناء الأشهر أو بعدها انتقض ما مضى من عدتها وعليها أن تستأنف العدة بالحيض وقيل أنها لا تنتقض سواء رأته أثناء الأشهر أو بعدها، وقيل إذا رأته قبل تمام الأشهر تنتقض وقيل تنتقض ذا لم يقض القاضى بإياسها. والذى صححه الكمال بن الهمام أنها تنتقض بالنسبة للمستقبل فلاتعتد إلا بالحيض لا بالنسبة للماضى فلا يفسد النكاح إذا كانت تزوجت بعد الأشهر الثلاثة.
ويقول الشافعية (16): إنه لو حاضت الآيس فى أثناء العدة بالأشهر وجبت الأقراء وإذا رأته بعد انقضاء الأشهر فانها تعتد بالأقراء أيضا لتتبين إنها ليست آيسة فإن كانت تزوجت بآخر فلا شئ عليها لانقضاء عدتها ظاهرا مع تعلق حق الزوج بها.
ويقول المالكية (17): أنه يرجع إلى النساء فيما تراه الآيسة ، أى المشكوك فى يأسها وهى بنت الخمسين إلى السبعين على ما ذكرناه قبل، فمن رأت الدم بعد السبعين فإنه لا يعتبر حيضا قطعا، وتعتد بالشهور
والحنابلة يرون إن الدم الذى تراه الآيسة ليس حيضا حتى يتغير به الحكم، بل هى تعتد بالأشهر. وقد نص صاحب منتهى الإرادات على ذلك اذ يقول: إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم ولأنه زمن لايرى فيه الدم غالبا فلم يكن ما تراه حيضا كالآيسة (18)
وفى الفقه الظاهرى يقول ابن حزم (19): إن المعتدة إذا حاضت فى العدة فليست من اللائى يئسن من المحيض فوجب أن عدتها ثلاثة قروء فصح أن حكم الاعتداد بالشهور قد بطل وصح إنها تنتقل إلى الأقراء.
وفى الفقه الإباضى أن الآيسة إذا رأت الدم بعد الإياس كعادتها لا عبرة به وتصوم معه وتصلى (20) ولم نجد عند الشيعة الجعفرية ولا الزيدية شيئا فى هذا.
طروء الإياس على ذات الاقراء:
المعتدة بالأقراء لو حاضت حيضة أو حيضتين ثم آيست تستأنف العدة بالأشهر فى المذاهب الثمانية (21).

__________

(1) شرح التنوير مع حاشية ابن عابدين ج1 ص221 المطبعة الأميرية.
(2) فتح القدير ج3 ص78 المطبعة الاميرية سنة 1316 وابن عابدين ج1 ص221 ، 222.
(3) ابن عابدين ج1 ص222.
(4) فتح القدير ج3 ص278.
(5) حاشية الدسوقى ج2 ص473 المطبعة الأزهرية.
(6) نهاية محتاج ج7 ص126 طبعة الحلبى سنة 1357.
(7) المغنى ج7 ص460 ، 416 طبعة المنار سنة 1367
(8) المختصر النافع ص200 طبعة دار الكتاب العربى الروضة البهية ، شرح اللمعة الدمشقية ج1 ص34 طبعة دار الكتاب العربى.
(9) البحر الزخار ج1 ص134 ، 135 طبعة السعادة.
(10) شرح النيل ج3 ص579.
(11) المحلى ج1 ص369.
(12) انظر المراجع السابقة فى المواضع المذكورة والمحلى ج10 ص322 مطبعة الإمام
(13) سورة الطلاق:4.
(14) الفتح ج3 ص277 ، 278 طبعة مصطفى محمد وابن عابدين ج2 ص657
(15) الإقناع بحاشية البجرمى ج4 ص43 المطبعة الميمنية سنة 1310.
(16) حاشية الدسوقى ج2 ص473.
(17) منتهى الارادات ج1 ص94 بهامش كشاف القناع المطبعة العامرية سنة 1319
(18) المحلى ج10 ص325 مطبعة الامام.
(19) شرح النيل ج3 ص580 فى باب العدة وقوله صامت وصلت يفيد أنه ليس بحيض.
(20) الهداية والفتح ج3 ص279.ابن عابدين ج2 ص658.الإقناع وحاشية البجرمى ج4 ص43
الدردير وحاشية الدسوقى ج2 ص499.المغنى ج7 ص465.المحلى ج10 ص226.شرح النيل ج3 ص578.
البحر الزخار ج3 ص212.الروضة البهية ج2 ص156.
(1/18)
أب

قال الراغب فى مفرداته "غريب القرآن":الأب الوالد، و يسمى كل من كان سببا فى إيجاد شىء أو إصلاحه أو ظهوره أبا.
بيان ما تكون به الأبوة
تتحقق الأبوة النسبية بواحد من ثلاثة: الفراش ، والاستيلاد ، والدعوة والاستلحاق.
وينتفى النسب عن الولد والأبوة عن الأب باللعان غالبا، وقد ينتفى الولد بدون لعان وذلك فى مسائل تأتى.
الأب: هو الراعى الأول لأسرته والمسئول عن أولاده، فهم أمانة أودعها الله عنده، و فرض عليه حفظهم، وأوجب عليه أن يسعى فيما يصلحهم، ويجتهد فيما يقومهم، وقد قال النبى -صلى الله عليه وسلم-: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها، والخادم راع فى مال سيده وهو مسئول عن رعيته ، والولد راع فى مال أبيه وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
أمر الأب أولاده بالصلاة وتعليمهم ما به تصح
أتفق الفقهاء على أنه يجب على الأب أن يأمر ولده بالصلاة لسبع، ويضربه ويؤدبه عليها لعشر، ويعلمه ما به تصح الصلاة من الطهارة وغيرها، فلا تجب الصلاة على صبى ولو مميزا (1) ويأمره الأب بها إذا ميز ولو قضاء لما فاته بعد التمييز ويضرب على تركها بعد عشر سنين لخبر: " مروا الصبى بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " أى على تركها. صححه الترمذى وغيره.
قال فى "المجموع ": والأمر والضرب واجبان على الولى، أبا كان أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضى00 قال الطبرى: ولا يقتصر على مجرد صيغة الأمر بل لابد من التهديد وقال فى "الروضة": يجب على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الطهارة والصلاة والشرائع (2).
وهذا الحكم يجرى فى الصوم ونحوه أيضا كما ذكره النووى فى " شرح المهذب "، ويعرف بطلب المأمورات وترك المنهيات ، وأنه بالبلوغ يدخل فى التكليف ويعرفه ما يبلغ به. وقيل: هذا التعليم مستحب والصحيح وجوبه.
والأمر والضرب فى حقه لتمرينه عليها حتى يألفها ويعتادها فلا يتركها بعد البلوغ. وذهب الحنابلة إلى مثل ما سبق عن الشافعية ، وزادوا وجوب تعليم الأولاد جميع ما يلزم من أمور الدين، وأجرة تعليمه من مال الطفل إن كان له مال ، وإلا فعلى من تلزمه نفقته(3).
وعند المالكية مثل ما سبق، إِلا أنهم قيدوا الضرب على ترك الصلاة ونحوها بما إذا ظن أَنه يفيد (4).
وعند الظاهرية قال ابن حزم فى "المحلى": لا صلاة على من لم يبلغ من الرجال والنساء، ويستحب لو علموها إذا عقلوها ، ثم ساق أحاديث مثل ما سبق وزاد قول النبى - صلى الله عليه وسلم-: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبى حتى يكبر " ثم قال: ويستحب أن يدرب عليها، فإذا بلغ عشر سنين أدب عليها(5) ".
وفى مذهب الإباضية: من حق الابن على أبويه تأديبه وتعليمه القرآن والصلاة ومعانيها وشرائع الإسلام كلها قبل البلوغ، وإذا بلغ ثلاث عشرة ضرب على الصلاة، وفى الحديث يؤمر بالصلاة ابن ثمان ويضرب عليها ابن عشر (6).
الأب وإلباس موليه الصغير الذهب والحرير
مذهب الحنابلة: يحرم على الولى، أبا أو غيره، إلباس صبى ما يحرم على رجل من اللباس من حرير أو منسوج بذهب أو فضة أو مموه بأحدهما: لقوله -عليه الصلاة والسلام- " وحرم على ذكورها ".
وعن جابر قال: كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجوارى، رواه أبو داود. وشقق عمرو بن مسعود وحذيفة قميص الحرير على الصبيان، رواه الخلال، ويتعلق التحريم بالمكلفين بتمكينهم من الحرام كتمكينهم من شرب الخمر، وصلاة الصبى فى المحرم ولبسه كصلاة الرجل.
وعند الشافعية فى باب اللباس: وللولى إلباس ما ذكر من الحرير، وما صنع أكثره من الحرير صبيا، إذ ليس له شهامة تنافى خنوثة الحرير بخلاف الرجل، ولأنه غير مكلف (7).
وعند الحنفية: يكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير، لأن التحريم لما ثبت فى حق الذكور وحرم اللبس حرم الإلباس، كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها (8).
مذهب الزيدية (9): يحرم على الذكر ويمنع الصغير من لبس واستعمال ما فوق ثلاث أصابع من المشبع صفرة وحمرة وقيل: أنه يجب منعه من لبس الحلى والمذهّب. مذهب المالكية (10): جاء فى "الحطاب" عن بعض فقهاء المالكية أنه يحرم على ولى غير المكلف أن يلبسه شيئا من حلى الذهب ولكن ظاهر المذهب عند كثير من الشيوخ كراهة تحلية الصغار بالذهب.
مذهب الإمامية(11): لا بأس بلبس الصبي الحرير، فلا يحرم على الولى إلباسه إياه، وتصح صلاته فيه بناء على المختار من كون عباداته شرعية.
الأب وغسل الميت
(انظر غسل الميت).
الأب والزكاة فى مال الصبى
يختلف الفقهاء فى وجوب الزكاة فى مال الصبى- والمخاطب بها حينئذ وليه أبا كان أو غيره أو عدم وجوبها أصلا لسقوط التكليف عنه (انظر زكاة).
الأب وزكاة الفطر عن أولاده
مذهب الأحناف (12): يزكى الأب زكاة الفطر عن نفسه. ويخرجها عن أولاده الصغار، عند أبى حنيفة والشافعى ومالك وابن حنبل. ويخرج عن أولاده الصغار لأن السبب رأس يمونه ويلى عليه لأنها تضاف إليه يقال زكاة الرأس وهى أمارة السببية، والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته، ولهذا تتعدد بتعدد الرءوس مع اتحاد اليوم، والأصل فى الوجوب رأسه وهو يمونه ويلى عليه فيلحق به ما هو فى معناه كأولاده الصغار.
وعند الشافعية (13): ومن وجبت عليه فطرته وجبت عليه فطرة من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين.
وعند المالكية (14): زكاة الفطر واجبة على الحر المسلم القادر عن نفسه وعن كل مسلم تلزمه مؤنته لقرابة كوالدين فقيرين، وأولاده الذكور للبلوغ قادرين على الكسب، والإناث للدخول بالزواج أو الدعاء إليه.
وعند الحنابلة (15): وتلزمه فطرة قريبة ممن تلزمه مؤنته كولده الصغير، ولا تجب عن جنين، بل تستحب الفطرة عن الجنين لفعل عثمان. وعن أبى قلابة: كان يعجبهم أن يطعوا زكاة الفطرة عن الصغير والكبير حتى عن الحمل فى بطن أمه. روى فى الشافى.
وعند الإمامية (16): زكاة الفطر إنما تجب على البالغ العاقل الحر الغنى، يخرجها عن نفسه وعياله من مسلم وكافر وحر وعبد وصغير وكبير ولو عال تبرعا ، وتعتبر النية فى آدائها، وتسقط عن الكافر لو أسلم.
أما الزيدية فقد جاء فى "الروض النضير" (17): حدثنى زيد بن على عن أبيه عن جده عن على عليهم السلام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" صدقة الفطر على المرء المسلم يخرجها عن نفسه وعمن هو فى عياله، صغيرا كان أو كبيراً، ذكرا أو أنثى، حرا أو عبداً ، نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير.
وعند الظاهرية (18): يخرج عن الصغار زكاة الفطر الأب والولى من مالهم إِن كان لهم ، وإن لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ ولا بعد ذلك.
مذهب الإباضية (19): زكاة الفطر يخرجها المرء عن نفسه وعمن لزمته نفقته كزوجة وولد وعبد ولو مشركا.
دفع الأب الزكاة لأولاده وأخذها منهم
عند الحنفية (20): لا يدفع المزكى زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل، لأن منافع الأملاك بينهم متصلة ، فلا يتحقق التمليك على الكمال. وقالوا: إن دفع إليه فى ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه. وقال أبو يوسف: عليه الإعادة لظهور خطئه بيقين.
وعند الشافعية (21) ": لا يجوز دفع الزكاة إلى من تلزمه نفقته من الأقارب والزوجات من سهم الفقراء، لأن ذلك إنما جعل للحاجة ولا حاجة بهم مع وجوب النفقة.
وعند المالكية (22): لا تجزئ إن دفعت لمن تلزمه نفقته أو دفع عرضا عنها بقيمتها.
وعند الحنابلة (23): لا يجوز دفع الزكاة إلى عمودى نسبه.
وعند الإمامية (24): من شروط من تعطى له الزكاة ألا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك ويعطى باقى الأقارب.
مذهب الظاهرية (25): ومن كان أبوه أو أمه أو ابنه أو أخوته أو امرأته من الغارمين أو غزوا فى سبيل الله أو كانوا مكاتبين- جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض، لأنه ليس عليه آداء ديونهم ولا عونهم فى الكتابة والغزو كما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء ولم يأت نص بالمنع مما ذكرنا.
مذهب الزيدية (26): ولا يجزىء أحدا أن يصرف زكاته فى أصوله وهم آباؤه وأجداده وأمهاته وجداته ما علوا وفصوله وهم أولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا ويدخل فى ذلك أولاد البنات.
مذهب الاباضية (27): ولا يدفع الأب زكاته لمن تلزمه نفقته من أولاده، لأن القاعدة عندهم أن الرجل لا يدفع زكاته لمن تلزمه نفقته.
الأب و العقيقة عن ولده
وما يطلب من الأب بعد الولادة
العقيقة: هى ما يذبح عن المولود، وقيل: هى الطعام الذى يصنع ويدعى إليه من اجل المولود يقدمها الأب. وأختلفت المذاهب فى حكمها، فقيل: إنها سنة، وقيل: إنها مندوب، وقيل: إنها فرض. (انظر: عقيقة).
الأب و الضحية عن الصبى
عند الأحناف (28): الأضحية واجبة على كل مسلم موسر فى يوم الأضحى عن نفسه وعن أولاده الصغار على تفصيل فى المذاهب. (انظر أضحية).
الأب والولاية على المحجور عليه لصغر أو جنون أو سفه
مذهب المالكية (29): والولى أصالة- على المحجور عليه من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد رشده أو مجنون- هو الأب الرشيد، لا الجد ولا الأخ ولا العم، إلا بإيصاء الأب. ونصوا على أن المجنون محجور عليه والحجر لأبيه أو وصيه أن كان، وإلا فللحاكم أن وجد منتظما وإلا فلجماعة المسلمين ويمتد الحجر للإفاقة من جنونه. مذهب الأحناف: قالوا: الأب أولى الأولياء بالولاية فى النفس والمال باتفاق فقهائهم، إلا فى تزويج المجنونة الكبيرة إذا كان لها ابن.(انظر ولاية).
مذهب الشافعية (30): فى باب الحجر على الصبى والمجنون: وينظر فى ماله الأب ثم الجد، لأنها ولاية فى حق الصغير. وقدم الأب والجد فيها على غيرهما كولاية النكاح، فإن لم يكن أب ولا جد نظر الوصى لأنه نائب عن الأب والجد.
مذهب الحنابلة (31): وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكرا كان أو أنثى للأب. تذهب الزيدية (32): وذهب الزيدية إلى مثل ذلك.
مذهب الإمامية (33): الأب والجد يليان على الصغير والمجنون، فإن فقدا فالوصى، فإن فقدا فالحاكم.
مذهب الظاهرية (34): يقول ابن حزم: من حجر عليه ماله لصغر أو جنون فسواء كان عليه وصى من أب أو من قاض كل من نظر له نظراً حسنا فى بيع أو ابتياع أو عمل ما فهو نافذ لازم لا يرد وإن أنقد عليه الوصى ما ليس نظراً لم يجز لقول الله تعالى: " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين. (35) " (انظر ولاية).

__________

(1) شرح أبى الشجاع ج1 ص 10.
(2) شرح الخطيب: كتاب الصلاة.
(3) كشاف القناع ج1 ص157 ،158.
(4) الشرح الصغير ج1 ص 89.
(5) المحلى ج 2 ص 232.
(6) شرح النيل ج2 ص 601، 602، 605.
(7) الخطيب الشربينى ج1 ص 177.
(8) الهداية ج4 ص 65
(9) التاج المذهب ج 3ص 484،485.
(10) الحطاب ج1 ص 124.
(11) مستمسك العروة الوثقىج5 ص 313.
(12) الهداية ج1 ص 89.
(13) المهذب ج1 ص163.
(14) الشرح الصغير ج1 ص 217.
(15) كشاف القناع ج1 ص 473.
(16) المختصر النافع ص 85.
(17) ج2 ص 439.
(18) المحلى ج 2 ص 138.
(19) شرح النيل ج2 ص 165.
(20) الهداية ج4 ص 87.
(21) المهذب ج1 ص 174.
(22) الشرح الصغير ج1 ص 216.
(23) كشاف القناع ج1 ص497.
(24) المختصر النافع ص 59.
(25) المحلى ج 6 ص 151.
(26) شرح الأزهار ج1 ص 525.
(27) شرح النيل ج1 ص 144،145.
(28) الهداية ج4 ص 55.
(29) الشرح الصغير ج2 ص 130.
(30) المهذب ج1 ص 329.
(31) كشاف القناع ج2 ص 223.
(32) التاج المذهب ج 4 ص 160،166.
(33) المختصر النافع ص 141.
(34) المحلى ج 6 ص323.
(35) سورة النساء:135.
(1/19)
الأب و تصرفه فى مال أولاده

مذهب الشافعية: جاء فى "المهذب": لا يتصرف الناظر أبا أو غيره فى مال الصغير إلا بما فيه حظ واغتباط. ثم قال فى "المهذب" أيضاً (1): ولا يسافر بمال الصغير من غير ضرورة، فإن دعت إليه ضرورة بأن خاف عليه الهلاك فى الحضر لحريق أو نهب جاز أن يسافر به، لأن السفر هاهنا أحوط.
ولا يودع ماله ولا يقرضه من غير حاجة لأنه يخرجه من يده فلم يجز. فان خاف من نهب أو حريق أو غرق أو أراد سفرا و خاف عليه جاز الإيداع والإقراض، فان قدر على الإيداع دون الإقراض أودعه ثقة، وإن قدر على الإقراض دون الإيداع أقرضه ثقة مليئا، فإن أقرض ورأى أخذ الرهن عليه أخذ، وان رأى ترك الرهن لم يأخذ، وأن قدر على الإيداع والإقراض فالإقراض أولى لأن القرض مضمون بالبدل والوديعه غير مضمونة فكان القرض أحوط.
ويجوز أن يقترض له إذا دعت إليه الحاجة ويرهن ماله عليه لأن فى ذلك مصلحه له فجاز.
وينفق عليه بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير وإن رأى أن يخلط ماله بماله فى النفقة جاز لقوله تعالى: " وإن تخالطوهم فإخوانكم "(2).
فإن بلع الصبى واختلفا فى النفقة فإن كان الولى هو الأب أو الجد فالقول قوله وإن كان غيرهما ففيه وجهان:
أحدهما: يقبل لأن فى إقامة البينة على النفقة مشقة فقبل قوله.
والثانى: لا يقبل قوله كما لا يقبل فى دعوى الضرر والغبطة فى بيع العقار.
وإِن أراد أن يبيع ماله بماله (3) فان كان أبا أو جداً جاز ذلك، لأنهما لا يتهمان فى ذلك لكمال شفقتهما، وإن كان غيرهما لم يجز لأنه متهم فى طلب الحظ له فى بيع مال موليه من نفسه. ثم قال: وان أراد أن يأكل من ماله فإن كان غنيا لم يجز لقوله تعالى "ومن كان غنيا فليستعفف (4) " وإن كان فقيرا جاز أن يأكل لقوله تعالى " ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف " (5)
وفى ضمان الأب للبدل قولان:
أحدهما: لا يضمن لأنه أجيز له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كالرزق الذى يأكله الإمام من أموال المسلمين.
والثانى: يضمن لأنه مال لغيره أجيز له أكله للحاجة فوجب ضمانه كمن اضطر إلى مال غيره.
و يرى الحنابلة: أن للأب أن يبيع ويشترى ويرهن لنفسه من مال موليه ، ولا يصح (6) إقرار الولى عليه بمال ولا إتلاف، لأنه إقرار على الغير. وأما تصرفاته النافذة منه كالبيع و الإجارة وغيرهما فيصح إقراره بها كالوكيل ولا يصح أن يأذن له فى حفظ ماله: ولوليه مكاتبة رقيقه وعتقه على مال إن كان فيه حظ، وله تزويج رقيقه من عبيد وإماء لمصلحة. والسفر بما له لتجارة وغيرها فى مواضع آمنة فى غير بحر، ولا يدفعه إلا إلى الأمناء، ولا يغرر بماله، وله المضاربة بماله بنفسه ولا أجرة له فى نظير اتجاره به، والربح كله للمولى عليه والتجارة بماله أولى من تركها لحديث " اتجروا فى أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة " فقاسوا الأب على ولى اليتيم فى ذلك. وله دفعه مضاربة إلى أمين يتجر فيه بجزء من الربح وله ابضاعه وهو دفعه إلى من يتجر فيه، والربح كله لمولى عليه. وله بيعه نسيئة لملىء وقرضه لمصلحة فيهما، ولا يقرضه الولى لمودة ومكافأة. ولا يقترض وصى ولا حاكم منه شيئا لنفسه ، كما لا يشترى من نفسه ولا يبيع لنفسه للتهمة، وجاز ذلك للأب لعدم التهمه عند الأب لكمال شفقته. وللأب أن يرتهن ماله لنفسه، ولا يجوز ذلك لولى غيره، ولوليه أبا كان أو غيره شراء العقار له من ماله ليستغل مع بقاء الأصل له. وله بناؤه بما جرت به عادة أهل بلده ومتى كان خلط مؤنته بقوت وليه (7) أرفق وألين لعيشه فهو أولى طلبا للرفق، قال تعالى: " وإن تخالطوهم فإخوانكم " وإن كان أفراده أرفق أفرده، ويجوز تركه فى المكتب ليتعلم ما ينفعه، وتعليم الخط والرماية والأدب وما ينفعه وأداء الأجرة عنه من ماله. وله أن يسلمه فى صناعة إذا كانت مصلحة. وله بيع عقاره لمصلحه ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله. وأنواع المصلحة كثيرة إما لاحتياج نفقة أو كسوة أو قضاء دين أو ما لابد منه وليس له ما تندفع به حاجته أو يخاف عليها الهلاك بغرق أو خراب أو يكون فى بيعه غبطة أو يكون فى مكان لا ينتفع به أو كان نفعه فيه قليلا فيبيعه ويشترى له بثمنه. وإن أوصى له بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته وجب على الولى قبول الوصية وإلا لم يجز له قبوله.
وتملك الأب مال الولد بشروط ستة:
أحدها: أن يكون فاضلا عن حاجة الولد لئلا يضره.
الثانى: ألا يعطيه الأب لولد آخر فلا يملك من مال ولده زيد ليعطيه لولده عمرو.
الثالث: ألا يكون التملك فى مرض موت أحدهما.
الرابع: ألا يكون الأب كافرا والابن مسلما، لا سيما إذا كان الابن كافرا ثم أسلم وقال ابن قدامة صاحب "المغنى": الأشبه أن الأب المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئا لانقطاع الولاية والتوارث بينهما.
الخامس: أن يكون ما يتملكه الأب عينا موجودة فلا يتملك الأب دين ابنه بقبضه.
السادس: ولا يصح تصرفه فى مال ولده قبل القبض مع القول أو النية ولو عتقا. ولا يملك الأب إبراء نفسه من دين ولده، ولو أقر الأب بقبض دين ولده من غريمه فأنكر الولد أو أقر بالقبض رجع الولد على غريمه بدينه لعدم براءته بالدفع إلى أبيه ورجع الغريم على الأب بما أخذه منه إن كان باقيا، وببدله أن كان تالفا، لأنه قبض ما لبس له قبضه لا بولاية ولا بوكالة، ولو أقر بقبض دين ابنه فأنكر رجع على غريمه وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين قرض ولا ثمن مبيع ولا قيمة متلف ولا ارش جناية ولا بأجرة ما أنتفع به من ماله، لما روى الخلال أن رجلا جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم- بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال: " أنت ومالك لأبيك " وليس للابن أن يحيل عليه بدينه ولا مطالبة للولد على والده بغير ذلك من سائر الحقوق إلا بنفقته الواجبة على الأب لفقر الابن وعجزه عن التكسب فله الطلب بها وله مطالبته بعين مال له فى يده ويحرم الربا بينهما كما يحرم بين الأجنبيين لتمام ملك الولد على ماله واستقلاله بالتصرف فيه ووجوب زكاته عليه وتوريث ورثته وحديث " أنت ومالك لأبيك " على معنى سلطة التملك ويدل عليه إضافة المال للولد. ويثبت للولد فى ذمة الوالد الدين من بدل قرض وثمن مبيع ونحوه (8).
ولا يسقط بموته فيؤخذ من تركته، ولا يملك إحضاره فى مجلس الحكم، فإن أحضره فادعى الولد عليه فأقر الأب بالدين أو قامت به بينة لم يحبس، وإن وجد عين ماله الذى أقرضه لأبيه أو باعه له بعد موته فله أخذه إن لم يكن قبض ثمنه لتعذر العوض، ولا يكون ما وجد من عين المال ميراثا لورثة الأب بل هو له دون سائر الورثة. ولو قضى الأب الدين الذى عليه لولده فى مرضه أو أوصى بقضائه فمن رأس ماله، لأنه حق ثابت لا تهمة فيه، فكان من رأس المال كدين الأجنبى، ولا اعتراض للأب على تصرف الولد فى مال نفسه بعقود المعاوضات وغيرها، لتمام ملك الولد على ماله.
وعند الأحناف (9): إذا أذن ولى الصبى للصبى فى التجارة وكان يعقل البيع والشراء ينفذ تصرفه، والمعتوه الذى يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبى يصير مأذونا بإذن الأب والجد دون غيرهما وحكمه حكم الصبى.
ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه عينا لابنه الصغير لأنه يملك الإيداع وهذا أنظر فى حق الصبى منه لأن قيام المرتهن بحفظها أبلغ خيفة الغرامة ولو هلكت تهلك مضمونة والوديعة تهلك أمانة والوصى بمنزلة الأب فى هذا الباب لما بينا.
وعن أبى يوسف وزفر- رحمهما الله-:أنه لا يجوز ذلك منهما، وهو القياس، اعتبارا بحقيقة الإيفاء ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان أن فى حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله فى الحال، وفى هذا نصب حافظ لماله ناجزا مع بقاء ملكه فوضح الفرق. وإذا جاز الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك فى يده، ويصير الأب أو الوصى موفيا له ويضمنه للصبى لأنه قضى دينه. ثم قال: وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه، أو من ابن له صغير، أو عبد له تاجر لا دين عليه- جاز، لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين وأقيمت عبارته مقام عبارتين فى هذا العقد، كما فى بيعه مال الصغير من نفسه فتولى طرفى العقد (10) وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب فليس للابن أن يرده حتى يقضى الدين، لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه، ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به فى مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه فأشبه معير الرهن وكذا إذا هلك قبل أن يفتكه لأن الأب يصير قاضيا دينه بماله فله أن يرجع عليه. ولو رهنه بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز، لاشتماله على أمرين جائزين. فإن هلك ضمن الأب حصته من ذلك الولد لإيفائه دينه من ماله لهذا المقدار وكذا الوصى وكذا أب الأب إذا لم يكن الأب أو وصى الأب.
مذهب المالكية (11):
إن للأب بيع مال ولده المحجور عليه تحت ولايته أصلا أو ثمرة، إذ تصرفه محمول على المصلحة وإن لم يبين السبب، وله الأخذ بالشفعة، وترك قصاص وجب للمحجور عليه بالنظر والمصلحة، وليس له العفو عن عمد أو خطأ بالمجان. وله إسقاط الشفعة إذا كان ذلك عن نظر فلا تسقط بلا نظر على الراجح، ومقابله أنها تسقط بإسقاطه مطلقا.
ويجوز للأب أن يرهن مال محجوره فى دين استدانه على المحجور لمصلحته كالطعام والكسوة وغيرهما من الأمور الضرورية (12).
ويجوز للأب رد تصرف سفيه أو صبى مميز بمعاوضة باشره بلا إذن وليه كبيع وشراء وهبة ثواب، فإن لم يكن بمعاوضة، كهبة وصدقة وعتق، تعين على الأب رده، كإقرار من المحجور عليه بدين فى ذمته أو بإتلافه شيئا لغيره فيتعين عليه رد الإقرار. وإذا ترك الأب رد ذلك كان للصبى المميز رده إذا رشد (13).
والظاهرية والإمامية والزيدية: يجيزون للولى، أبا أو غيره، أن يتصرف فى مال من فى ولايته لمصلحة. أما بالنسبة للرهن فيقول الظاهرية: لا يجوز للأب ولا للوصى أن يرهن مال موليه عن نفسه، كما لا يجوز لأحد أن يرهن مالا لغيره إلا بإذن مالكه (14).
ويقول الإمامية: وللولى أن يرهن لمصلحة المولى عليه، وليس للراهن التصرف فى الرهن بإجارة ولا سكنى ولا وطء، لأنه تعريض للإبطال وفيه رواية بالجواز مهجورة.
الأب و إسقاط حق موليه فى الشفعة:
ترك الأب طلب الشفعة لموليه لا يسقط حقه فى الشفعة وله الأخذ بها إذا بلغ وعقل ورشد على تفصيل فى المذاهب. (انظر شفعة).

__________

(1) ج1 ص 33.
(2) سورة البقرة:220.
(3) المهذب ج1 ص331.
(4) سورة النساء:6.
(5) سورة النساء:6.
(6) كشاف القناع ج2 ص 225.
(7) كشاف القناع ج2 ص 225 ، 226.
(8) كشاف القناع ج2 ص487.
(9) الهداية ج4 ص8،9.
(10) الهداية ج4 ص 100.
(11) الشرح الصغير ج2 ص 130،206 ،211.
(12) الشرح الصغير ج2 ص 102،131.
(13) الشرح الصغير ج2 ص 126،127.
(14) المحلى ج 6 ص102، المختصر النافع ص137،141. التاج المذهب ج 4 ص 166.
(1/20)
الأب وأحكام الهبة.

يذهب الحنابلة (1): إلى أن الأب يقبض الهبة لولده الصغير والمجنون، ولو كان الأب غير مأمون قبل الحاكم الهبة للصغير ونحوه، أو كان الأب مجنونا قبل الحاكم الهبة لولده أو كان قد مات ولا وصى له، وللأب الحر أن يتملك من مال ولده ما شاء.
ثم قال صاحب "كشاف القناع": للأب فقط إذا كان حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء ما لم يتعلق به حق كالرهن، مع حاجة الأب إلى تملك مال ولده ومع عدمها، فى صغر الولد وكبره، وسخطه ورضاه، وبعلمه وبغير علمه، لما روى الترمذى، وذكر انه حديث حسن، عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم " وروى الطبرانى فى معجمه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " جاء رجل إلى النبى -صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبى اجتاح مالى، فقال: "أنت ومالك لأبيك".
ولأن الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع، وما كان موهوبا كان له أخذ ماله كعبده، ويؤيده أن سفيان بن عيينة قال فى قوله تعالى: " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون " (2).
ذكر الأقارب دون الأولاد لدخولهم فى قوله تعالى " من بيوتكم "، لأن بيوت أولادهم كبيوتهم ولأن الرجل يلى مال ولده من غير تولية كمال نفسه.
مذهب الأحناف (3): وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد،لأنه فى قبض الأب فينوب عن قبض الهبة ولا فرق بين ما إذا كان فى يده أو فى يد مودعه، لأن يده كيده، بخلافه ما إذا كان مرهونا أو مغصوبا أو مبيعا بيعا فاسدا، لأنه فى يد غيره أو فى ملك غيره، والصدقة فى هذا كالهبة.
مذهب الشافعية (4): وإن وهب للولد أو ولد الولد وإن سفل جاز أن يرجع لما روى ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما رفعاه إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- " لا يحل للرجل أن يعطى العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده "، ولأن الأب لا يتهم فى رجوعه لأنه لا يرجع إِلا لضرورة أو لإصلاح الولد وإن تصدق عليه فالمنصوص أن له أن يرجع كالهبة، ومن أصحابنا من قال: لا يرجع لأن القصد بالصدقة طلب الثواب وإصلاح حاله مع الله عز وجل، فلا يجوز أن يتغير رأيه فى ذلك، والقصد من الهبة إصلاح حال الولد، وربما كان الصلاح فى استرجاعه، فجاز له الرجوع، وإن تداعى رجلان نسب مولود ووهبا له مالا لم يجز لواحد منهما أن يرجع، لأنه لم يثبت له بنوته، فإن لحق أحدهما ففيه وجهان:
أحدهما: يجوز، لأنه فى ملك من يجوز له الرجوع فى هبته.
و الثانى: لا يجوز، لأنه رجوع على غير من وهب له فلم يجز.
وأن وهب لولده شيئا فأفلس الولد وحجر عليه ففيه وجهان:
أحدهما: يرجع لأن حقه السابق لحقوق الغرماء.
والثانى: لا يرجع ، لأنه تعلق به حق الغرماء فلم يجز له الرجوع كما لو رهنه. وللفقهاء فى جواز رجوعه فى الهبة شروط هى محل خلاف بينهم (انظر رجوع).
مذهب المالكية (5): جاء فى "الشرح الصغير": وصح حوز وأهب شيئا وهبه لمحجوره من صغير أو سفيه أو مجنون، كان وليه الواهب أبا أو غيره، لأنه هو الذى يحوز له. ثم قال (6): وجاز للأب فقط لا الجد اعتصارها أى الهبة ،:أى أخذها من ولده قهراً عنه بلا عوض مطلقا، ذكرا كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، فقيراً أو غنياً، سفيهاً أو رشيداً، حازها الولد أولا.
مذهب الظاهرية (7): جاء فى "المحلى": ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ يلفظ بها، إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما، فلهما الرجوع فيه أبداً، الصغير والكبير سواء، وسواء تزوج الولد أو الابنة على تلك العطية أو لم يتزوجا، داينا عليها أو لم يداينا. فإن فات عينها فلا رجوع لهما بشىء، ولا رجوع لهما بالغلة، ولا بالولد الحادث بعد الهبة. فإن فات البعض وبقى البعض كان لهما الرجوع فيما بقى.
مذهب الزيدية (8): جاء فى "التاج المذهب": ويقبل إذا وهب للصبى وكذا المجنون وليه المتولى لماله ولو من جهة الصلاحية أو يقبل هو فإنه يصح قبوله إن كان مأذونا له بالتصرف مطلقا ، وإن لم يكن مأذونا لم يصح قبوله، بل يقبل له ولى ماله. قال فى البيان: ولا حكم لرد المولى لما قبله له الأجنبى وقبله الصبى المميز، فإذا أجازه الولى من بعد إجازة الصبى بعد بلوغه صح.
قال فى "التاج (9) المذهب" وهو يتحدث عن شروط جواز الرجوع فى الهبة: ألا يكون الموهوب له ذا رحم محرم، نسبا لارضاعا، فإن كان ذا رحم محرم نسبا لم يجز الرجوع فيها ولم يصح سواء كانت الهبة لله أم لا، إلا الأب ولو فاسقا أو كافرا، فله الرجوع فى هبة طفله متى لم يحصل أحد الموانع، وإذا لم يكن طفلا بل كان بالغا ولو مجنونا أصليا أم طارئا لم يصح للأب الرجوع فيما وهب له. فلو وهب له فى صغره وأراد الرجوع بعد بلوغه لم يصح ذلك. وقال (10): ويكره تنزيها مخالفة التوريث فى الهبة والصدقة ونحوهما من نذر ووقف ووصية، لأنه يؤدى إلى إيغار الصدور، ولما فيه من الحيف عن سنن العدل، وصريح الأحاديث قاضية بالعدل والتسوية بين الأولاد فى النحل والعطية، إلا أن يفضل أحد الورثة لبره، أو لكثرة عائلته، أو لضعفه: كالأعمى والمقعد ونحوهما، أو لفضله، فإن ذلك غير مكروه إلى قدر الثلث.
مذهب الإمامية (11): قال فى "المختصر النافع": لو وهب الأب أو الجد للولد الصغير لزم لأنه مقبوض بيد الولى ولا يرجع - أى الولد- فى الهبة لأحد الوالدين بعد القبض.
مذهب الأباضية (12): جاء فى" شرح النيل": يشترط القبض فى صحة هبة الأب لولده ذكرا أو أنثى كذا قيل. وذكر قومنا أن من أعطى ابنه أو ابنته عند التزوج شيئا لم يحتج للقبض، فإن مات ابنه أو بنته أخذ منه وارثه، لأنه لما أنعقد عليه النكاح صار كالبيع، وقيل: لا تصح إلا بالقبض. (وصح عود والد فيها) أى فى الهبة، وذلك فى الحكم وعند الله، إلا أن عنى التقرب إلى الله بإعطائه ولده فلا يجوز له الرجوع عند الله ، وإن أحدث الولد أمرا فيه لم يصح الرجوع إلا إن خرج من ملكه ثم رجع فلا رجوع للأب فيه لحديث " لا يحل الرجوع فى الهبة إلا لوالد ".

__________

(1) كشاف القناع ج2 ص486.
(2) سورة النور: 61.
(3) الهداية ج3 ص 182.
(4) المهذب ج1 ص 451.
(5) الشرح الصغير ج2 ص 288.
(6) المرجع السابق ص 289.
(7) المحلى ج 6 ص 127.
(8) ج 3 ص 264.
(9) المرجع السابق ص 269.
(10) المرجع السابق ص 274.
(11) ص 160.
(12) ج6 ص5،8.
(1/21)
الأب وأحكام الوصية والإيصاء

وعند الشافعية (1): " من ثبتت له الولاية فى مال ولده ولم يكن له ولى بعده جاز له أن يوصى إلى من ينظر فى ماله، لما روى سفيان بن عيينة رضى الله عنه عن هشام بن عروة قال:
" أوصى إلى الزبير تسعة من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم- منهم عثمان والمقداد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود رضى الله عنهم، فكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أبنائهم من ماله ".
وإن كان له جد لم يجز أن يوصى إلى غيره، لأن ولاية الجد مستحقة بالشرع فلا يجوز نقلها عنه بالوصية. ومن ثبتت له الولاية فى تزويج ابنته لم يجز أن يوصى إلى من يزوجها.
وقال أبو ثور: يجوز كما يجوز أن يوصى إلى من ينظر فى مالها، وهذا خطأ، لما روى ابن عمر قال: زوجنى قدامة بن مظعون ابنة أخيه عثمان بن مظعون، فأتى قدامة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أنا عمها ووصى أبيها وقد زوجتها من عبد الله بن عمر. فقال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم- " إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها " ولأن ولاية النكاح لها من يستحقها بالشرع فلا يجوز نقلها بالوصية كالوصية بالنظر فى المال مع وجود الجد.
مذهب المالكية: قال فى "الشرح الصغير" (2): وإنما يقيم وصيا على محجور عليه لصغر أو سفه أب رشيد أو وصيه إن لم يمنعه الأب من الإيصاء بأن قال: أوصيتك على أولادى وليس لك أن توصى عليهم. وكذلك للأب أن يوصى على تزويج بناته، والراجح له الجبر أن ذكر البضع أو النكاح أو التزويج بأن قال له الأب: أنت وصى على بضع بناتى أو على نكاحهن أو على تزوجهن أو على بنتى حتى تزوجها قبل البلوغ أو بعده أو ممن شئت وإن لم يذكر شيئا من الثلاثة، فالظاهر عدم الجبر كما إذا قال: أنت وصى على بناتى. أما لو قال: أنت وصى فقط أو على مالى فلا جبر اتفاقا.
مذهب الحنابلة: قال فى "كشاف القناع" (3): يملك الأب الإيصاء على أولاده. كما قال: وتصح وصية المسلم إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل، ولو مستوراً أو أعمى أو امرأة أو أم ولد أو عدوا للطفل الموصى عليه، وكذا لو كان عاجزا، ويضم إليه قوى أمين معان، ولا تزال يده عن المال، ولا يزال نظره. وهكذا إن كان قويا فحدث فيه ضعف، ويكون الأول هو الوصى دون الثانى أى وهو المعين.
مذهب الأحناف (4): للأب أن يقيم وصيا على أولاده الصغار ومن فى حكمهم، كما له أن يقيم وصيا على تركته عند الحاجة إلى ذلك، من تنفيذ وصاياه أو قضاء ديونه أو استيفائها ونحو ذلك، كقسمة التركة. ويكون الوصى حينئذ مقدما على الجد، وهو ما يسمى بالوصى المختار. وتفصيل أحكام الإيصاء- ينظر مصطلح (إيصاء)
مذهب الإمامية (5): يعتبر فى الذى يجعله الأب وصيا أن يكون مكلفا مسلما، وفى اعتبار العدالة تردد أشبهه أنها لا تعتبر. أما لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته، ولا يوصى إلى المملوك إلا بأذن مولاه. ويصح إلى الصبى منضما إلى كامل لا منفردا، ويتصرف الكامل حتى يبلغ الصبى ثم يشتركان، وليس له نقض ما أنفذه الكامل بعد بلوغه. ولا تصح الوصية من المسلم إلى الكافر، وتصح من مثله وتصح الوصية إلى المرأة. وللموصى تغيير الأوصياء، وللموصى إليه رد الوصية ويصح أن بلغ الرد. ولو مات الموصى قبل بلوغه لزمت الوصية، و إذا ظهر من الوصى خيانة استبدل به، والوصى أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط، وتختص ولاية الوصى بما عين له الموصى، عموما كان أو خصوصا ويأخذ الوصى الأجرة (أجرة المثل) ، وقيل قدر الكفاية، هذا مع الحاجة. وإذا أذن له فى الوصية جاز، ولو لم يأذن فقولان، أشبههما أنه لا يصح، ومن لا وصى له فالحاكم وصى تركته.
وتصح الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر. ولا يجوز إخراج الولد من الإرث ولو أوصى الأب، وفيه رواية مطرحة.
مذهب الزيدية (6): قال فى "التاج المذهب": وإنما يتعين وصيا من جمع شرطين. الأول: أن يكون قد عينه الميت ولو امرأة، بأن قال: أنت وصيتى، أو أنت وصيى، أو قم على أولادى بعدى، أو نفذ ما أوصيت به، أو أنت خليفتى، أو أخلفنى أو وكلتك بعد موتى، أو أنت وكيلى فى حياتى وبعد مماتى.
مذهب الإباضية (7): ومن قال: فلان وصيى فهو وصيه ولو فى أولاده وتزويج بناته، وقيل: إلا فيهن وليس للجد أن يوصى فى أولاد أولاده إلا أن أوصاه ولده أى أبوهم، ولا وصاية لغير الأب فيهم.
مذهب الظاهرية (8): ومن أوصى إذا مات أن تزوج ابنته البكر الصغيرة أو البالغ فهى وصية فاسدة، لا يجوز إنفاذها، برهان ذلك أن الصغيرة إذا مات أبوها صارت يتيمة، وقد جاء النص بأن لا تنكح اليتيمة حتى تستأذن، وأما الكبيرة فليس لأبيها أن يزوجها فى حياته بغير أذنها فكيف بعد موته.

__________

(1) المهذب ج1 ص 455.
(2) ج2 ص 432.
(3) ج2 ص 533.
(4) الهداية ج4 ص 195.
(5) المختصر النافع ص 165،166.
(6) ج4 ص 385.
(7) شرح النيل ج6 ص 454.
(8) المحلى ج 9 ص 464.
(1/22)
الأب و أحكام العتق

مذهب الشافعية (1):
إذا ملك الأب أحد أولاده عتق عليه وكذا العكس. ومن ملك أحد الوالدين وإن علوا أو أحد المولودين وإن سفلوا عتقوا عليه، لقوله تعالى " تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمن ولداً. وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا. إن كل من فى السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً (2) " فالآية تدل على التنافى بين الولدية و العبودية.
مذهب الأحناف(3):
ومن قال عن عبده: هذا ابنى وثبت ذلك عتق. ومعنى المسألة: إذا كان يولد مثله لمثله ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف يثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد محتاج إلى النسب فيثبت نسبه منه. وإذا ثبت نسبه عتق، لأن النسب يستند إلى وقت العلوق، أى الحمل. وإن كان له نسب معروف لا يثبت منه للتعذر، ويعتق إعمالا للفظ فى مجازه عند تعذر أعماله بحقيقته.
مذهب الحنابلة(4):
ولا يصح أن يعتق الأب عبد ولده الصغير، كما لا يصح أن يعتق عبد ولده الكبير، ولا عبد ولده المجنون، ولا عبد يتيمه الذى فى حجره، لأنه تبرع وهو ممنوع منه. ومن ملك ذا رحم محرم عليه للنسب عتق عليه ولو كان مخالفا له فى الدين (5).
مذهب المالكية(6):
وعتق بنفس الملك بدون حكم حاكم على المشهور أصله نسبا لا رضاعا، وإن علا فيعتق الجد وفرعه، وإن سفل بالإناث فأولى بالذكور.
مذهب الظاهرية (7):
من ملك ذا رحم محرم هو حر ساعة يملكه، فإن ملك بعضه لم يعتق عليه إلا الوالدان خاصة والأجداد والجدات خاصة فإنهم يعتقون عليه كلهم أن كان له مال يحمل قيمتهم، فإن لم يكن له مال حمل قيمتهم استسعوا، وهم كل من ولده من جهة أم أو جدة أو جد أو أب، وكل من ولده هو من جهة ولد أو ابنة. وقال فى "المحلى" (8): لا يجوز للأب عتق عبد ولده الصغير.
مذهب الزيدية:
من أسباب العتق ملك ذى الرحم المحرم كالأباء وإن علو والأولاد وإن سفلوا (9).
مذهب الإمامية (10):
قد يحصل العتق بالملك فيما إذا ملك الذكر أحد العمودين أو إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا.
الأب والكتابة للعبد
مذهب الأحناف(11):
وإذا اعتق المكاتب عبده على مال، أو باعه من نفسه، أو زوج عبده، لم يجز، لأن هذه الأشياء ليست من الكسب ولا من توابعه. وكذلك الأب والوصى فى رقيق الصغير بمنزلة المكاتب، لأنهما يملكان الاكتساب كالمكاتب.
ثم قال: وإذا اشترى أباه أو ابنه دخل فى كتابته، لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق فيجعل مكاتبا تحقيقا للصلة بقدر الإمكان. الا ترى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه.
مذهب الزيدية (12):
وإذا أدخل المكاتب معه غيره، نحو أن يكاتب عن نفسه وأولاده بعقد واحد. فلا يعتق واحد منهم إلا بدفع مال المكاتبة عن الجميع منهم أو من غيرهم، سواء تميزت حصص عوض الكتابة بأن يقول: كاتبت كل واحد منكم بمائة، أم لم تميز، لئلا يفرق العقد.
وأما إذا كانت العقود مختلفة عتق من أوفى ما عليه أو أدى عنه تقدم أو تأخر. ثم إن الأب إن كاتب بإذنهم رجع عليهم كل بحصته حيث سلم بإذنهم، فإن كانت بغير أذنهم لم يرجع.
(انظر مصطلح: عتق، كتابة).

__________

(1) المهذب ج2 ص 4.
(2) سورة مريم:91،92،93.
(3) الهداية ج2 ص 43.
(4) كشاف القناع ج2 ص 627.
(5) المرجع السابق ص 628.
(6) الشرح الصغير ج2 ص 405.
(7) المحلى لابن حزم ج 9 ص 200.
(8) المرجع السابق ج 9 ص215.
(9) شرح الأزهار ج53 ص 566.
(10) الروضة البهية ج2 ص 195.
(11) ج 3ص 208.
(12) التاج المذهب ج 2 ص 399.
(1/23)
ولاية الأب فى النكاح

مذهب الشافعية (1):
وإن كانت من يراد تزويجها حرة فأولى الناس بذلك أبوها. وقالوا: إنه يجوز للأب أن يزوج أبنه الصغير إذا رأى ذلك (2).
ويجوز للأب (3). والجد تزويج البكر من غير رضاها، صغيرة كانت أو كبيرة، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: " الثيب أحق بنفسها، والبكر يستأمرها أبوها فى نفسها " فدل على أن الولى أحق بالبكر، وإن كانت بالغة فالمستحب أن يستأذنها للخبر، وأذنها صماتها، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن فى نفسها، وأذنها صماتها " ولأنها تستحى أن تأذن لأبيها بالنطق فجعل صماتها إذنا. ولا يجوز لغير الأب والجد تزويجها إلا أن تبلغ و تأذن.
وأما الثيب فإنها إن ذهبت بكارتها بالوطء فان كانت بالغة عاقلة لم يجز لأحد تزويجها إلا بأذنها، لما روت خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.
وأذنها بالنطق لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: " والبكر تستأذن فى نفسها وأذنها صماتها" فدل على أن أذن الثيب النطق. وإن كانت صغيرة لم يجز تزوجيها حتى تبلغ وتأذن، لأن إذنها معتبر فى حال الكبر، فلا يجوز الإفتيات عليها فى حال الصغر. وإن كانت مجنونة جاز للأب والجد تزويجها صغيرة كانت أو كبيرة، لأنه لا يرجى لها حال تستأذن فيها. ولا يجوز لسائر العصبات تزويجها لأن تزويجها إجبار، وليس لسائر العصبات غير الأب والجد ولاية الإجبار.
مذهب الأحناف:
يجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولى، بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا، والولى هو العصبة، فإن زوجها الأب أو الجد، أى الصغير أو الصغيرة، فلا خيار لهم بعد البلوغ (4). وإذا اجتمع فى المجنونة أبوها وابنها فالولى فى أنكاحها أبنها فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله: أبوها لأنه أوفر شفقة من الابن. وهم (5) لا يجيزون للولى إجبار البكر البالغة على النكاح.
مذهب الحنابلة (6):
أحق الناس الذين لهم ولاية النكاح بنكاح المرأة الحرة أبوها، لأن الولد موهوب لأبيه، قال تعالى: " ووهبنا له يحيى (7) "، وقال على لسان إبراهيم الخليل: " الحمد لله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحاق (8) "، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أنت ومالك لأبيك " وإثبات ولاية للموهوب له على الهبة أولى من العكس، ولأن الأب أكمل شفقة وأتم نظراً، بخلاف الميراث، بدليل أنه يجوز أن يشترى لها من ماله وله من مالها.
وكذلك يذهب الحنابلة (9): إلى أن للأب خاصة تزويج بنيه الصغار و بنيه المجانين ولو كان بنوه المجانين بالغين ،لأنهم لا قول لهم، فكان له ولاية تزويجهم كأولاده الصغار. وروى الأثرم أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا.
وحيث زوج الأب ابنه لصغره وجنونه فإنه يزوجه بحرة لئلا يسترق ولده ويزوجه غير معيبة عيبا يرد به النكاح. ويزوج ابنه الصغير أو المجنون بمهر المثل وغيره ولو كرها، لأن للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها، وهذا مثله، فإنه قد يرى المصلحة فى ذلك، فجاز له بذل المال فيه كمداواته بل هذا أولى، فإن الغالب أن المرأة لا ترضى أن تتزوج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول إلى النكاح بدون ذلك.
وليس لهم، أى للبنين الصغار والمجانين، إن زوجهم الأب خيار إذا بلغوا وعقلوا كما لو باع مالهم. وللأب تزويج بناته الأبكار ولو بعد البلوغ لحديث ابن عباس مرفوعا: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها) رواه أبو داود.
فلما قسم النساء قسمين، وأثبت الحق لأحدهما، دل على نفيه عن الأخر وهى البكر فيكون وليها أحق منها بها، ودل الحديث على أن الاستئمار هنا. والاستئذان فى حديثهم مستحب غير واجب.
وللأب أيضا تزويج ثيب لها تسع سنين بغير أذنها، لأنه لا أذن لها. و إذا زوج ابنه الصغير فبامرأة واحدة، وله تزويجه بأكثر إن رأى فيه مصلحه، وهذا ضعيف جدا، وليس فى ذلك مصلحة بل مفسدة.
وعندهم (10): وحيث أجبرت البكر، زوجت بمن تختاره بنت تسع سنين فأكثر كفئا لا بمن يختاره المجبر من أب أو وصيه، لأن النكاح يراد للرغبة فلا تجبر على غير ما ترغب فيه. وشروط الإجبار: أن يزوجها من كفء بمهر المثل، وألا يكون الزوج معسرا، وألا يكون بينهما وبين الأب عداوة ظاهرة، وأن يزوجها بنقد البلد. فإن امتنع المجبر عن تزويج من أختارته بنت تسع سنين فأكثر فهو عاضل، فتسقط ولايته ويفسخ به إن تكرر.
وليس للأب تزويج ابنه البالغ العاقل بغير إذنه، لأنه لا ولاية له عليه إلا أن يكون سفيها وكان النكاح أصلح له، بأن يكون زمنا أو ضعيفا يحتاج إلى إمراة تخدمه، فإن لم يكن محتاجا إليه فليس له تزويجه. وللأب قبول النكاح لابنه الصغير ولو مميزا ولابنه المجنون.
مذهب الزيدية (11):
وولى عقد النكاح فى الحرة الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبة النسب، واقرب العصبة هو الابن، ثم ابنه ما نزل، ثم الأباء، و أقربهم الأب ثم أبوه.
وذهب الزيدية:
إلى أنه إذا زوجها أبوها أو وكيله لمعين فى صغرها فإنه لا خيار لها إذا بلغت بشرطين:
أحدهما: أن يكون زوجها كفئا لها فى نسبه ودينه.
الشرط الثانى: أن يكون زوجها من لا يعاف فى عشرته. فأما لو زوجها أبوها من تعاف عشرته، كالأجذم والأبرص، فإنها إذا بلغت بالمحيض ثبت لها الخيار بأول الحيض، واستمر خيارها فى اليوم الأول والثانى والثالث، ولا يبطل الخيار إلا إذا تراخت بعد الثلاثة، لأنها قد تيقنت أن الثلاثة حيض بمجاوزتها. وذهبوا كذلك إلى أن الصغير من الذكور كالأنثى إذا عقد له ولى نكاحه بزوجة كفء كان النكاح موقوفا، فيخير متى بلغ إلا من زوجه أبوه فلا خيار له عند بلوغه إن زوجه من هى كفء له لا تعاف وعلى الجملة فهو كالأنثى فى الأصح من المذهب.
مذهب الإمامية (12):
ولاية الأب والجد على الصغيرة ثابتة ولو ذهبت بكارتها بزنا أو غيره، ولا خيار لها.
ويرى الإمامية (13):
أن ولاية الأب والجد ثابتة على الصغيرة ولو ذهبت بكارتها بزنا أو غيره، لأن مناط الولاية للأب والجد على الثيب صغرها، فلا فرق بين وجود الوصف بين كونها بكراً أو ثيبا لوجود المقتضى فيهما. ولا خيار للصبية مع البلوغ، وفى الصبى قولان، أظهرهما أنه كذلك.
ولو زوجها أبوها وجدها فالعقد للسابق، فإن اقترنا ثبت عقد الجد. وتثبت ولايتهما على البالغ مع فساد عقله ذكرا كان أو أنثى ولا خيار له لو أفاق. والثيب تزوج نفسها، ولا ولاية عليها لأب ولا لغيره. ولو زوجها من غير إذنها وقف على إجازتها. أما البكر البالغة الرشيدة فأمرها بيدها. ولو كان أبوها حيا قيل لها: الانفراد بالعقد دائما كان أو منقطعا، وقيل: العقد مشترك بينها وبين الأب فلا ينفرد أحدهما به، وقيل: أمرها إلى الأب وليس لها معه أمر.
ويرى المالكية(14):
أن الولى قسمان: مجبر، وغير مجبر. فالمجبر المالك ولو أنثى، فالأب له الإجبار ولو بدون صداق ولو كان الزوج أقل حالا منها أو لقبح منظر.
والإجبار لثلاث من بناته:
الأولى: البكر ما دامت بكرا ولو عانسا بلغت ستين سنة أو أكثر إلا إذا رشدها الأب، أى جعلها رشيدة أو أطلق الحجر عنها لما قام بها من حسن التصرف ، فلا جبر عليها حينئذ ولابد أن تأذن بالقول كما يأتى، أو أقامت سنة ببيت زوجها ثم تأيمت وهى بكر.
الثانية: ثيب صغيرة لم تبلغ، تأيمت أو كبرت وزالت بكارتها بزنا ولو تكرر منها، أو ولدت منه، أو زالت بكارتها بعارض لا بنكاح فاسد.
الثالثة: مجنونة إلا من تفيق فتنتظر إفاقتها. وقال (15): والأولى عند تعدد الأولياء تقديم ابن للمرأة فابنه على الأب فأب للمرأة فمرتبته بعد الابن وابنه. وقيل: تقديم أولى الوليين واجب لا سنة، فإن فقد المجبر ينتقل الحق لمن يليه الأقرب فالأقرب.
وقال(16): ويزوج السفيه ذو الرأى مجبرته بإذن وليه، وإن لم يأذن له نظر الولى ما فيه المصلحة، فإن كان صوابا أبقاه وإلا رده.
وقال (17): وإذا تزوج صغير بغير أذن وليه كان لوليه فسخ عقده إذا اطلع عليه، ولا مهر للزوجة ولا عدة عليها إن وطئها ولو أزال بكارتها، لأن وطأه كالعدم وفسخه بطلاق. وإذا تزوج سفيه (18): بغير أذن وليه كان للولى رد نكاحه بطلقة فقط بائنة إن لم يرشد. وللزوجة إن فسخ الولى النكاح ربع دينار إن دخل بها لأن كل عقد مختلف فى صحته يفسخ بطلاق ويحرم الأصول والفروع كالعقد الصحيح. فالعقد الفاسد المختلف فيه يحرمها على أصوله وفروعه ويحرم عليه أصولها لأن العقد على البنات يحرم الأمهات.
وقال (19): وجبر أب ووصى وحاكم ذكراً مجنونا مطيقا وصغيرا لمصلحة والصداق على الأب إذا جبر ابنه الصغير أو المجنون أن أعدما، أى لم يكن لهما مال. ولو شرط الأب خلافه فان كانا موسرين فعليهما المهر، ولا يلزم الوصى والحاكم مطلقا إلا لشرط من ولى الزوجة على الأب أو على الوصى أو على الحاكم فيعمل به. وان اختلف الابن والأب على التزام المهر، فإن كان قبل الدخول فسخ ولا مهر وإن لم يلتزمه أحدهما، وإن كان بعد الدخول حلف الأب وبرئ ولزم الزوج صداق المثل وحلف أن كان أقل من المسمى، ويرجع للأب نصف الصداق الذى التزمه إذا حصل طلاق قبل ا لدخول.
قال (20): ويرجع نصف الصداق للأب الذى زوج ولده وضمن له الصداق، أو زوج ابنته لشخص بصداق والتزمه بالطلاق قبل الدخول، وليس للزوج المطلق فيه حق، ورجع جميعه بالفساد أى بالفسخ قبل الدخول، ولا رجوع للأب على الزوج بما استحقته الزوجة من النصف قبل الدخول أو الكل بعده.
وقال (21): وليس للأم كلام فى تزويج الأب ابنته الموسرة المرغوب فيها من فقير لا مال له، إلا لضرر بين كأن يزوجها بذى عيب أو فاسق.
مذهب الظاهرية (22):
ولا يحل للمرأة نكاح، ثيبا كانت أو بكراً، إلا بأذن وليها الأب أو غيره من الأولياء. ومعنى ذلك أن يأذن لها. فى الزواج، فإن آبى أولياؤها من الأذن لها زوجها السلطان. برهان ذلك قوله تعالى: " و أنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم (23) " وهذا خطاب للأولياء لا للنساء.
مذهب الأباضية (24):
و أولى الأولياء بالنكاح الأب.
الأب ومحرمات النكاح
ينص الشافعية(25):
على أنه يحرم على الرجل من جهة النسب البنت وإن سفلت. وجاء عندهم فى حرمة المصاهرة: وتحرم عليه حليلة الابن لقوله تعالى: " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم (26) "، وتحرم حليلة كل من ينتسب إليه بالبنوة من بنى الأولاد وأولاد الأولاد، كما أن حليلة الأب تحرم على فروعه لقوله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء(27) ".
وإن زنى بامرأة فأتت منه بابنة فقد قال الشافعى رحمه الله: أكره أن يتزوجها، فإن تزوجها لم أفسخ " فمن أصحابنا من قال: إنما كره خوفا من أن تكون منه، فعلى هذا لو علم قطعا أنها منه بأن أخبره النبى - صلى الله عليه وسلم- فى زمانه لم تحل له. ومنهم من قال: إنما كره ليخرج من الخلاف، لأن أبا حنيفة يحرمها، وعلى هذا لو تحقق أنها منه لم تحرم، وهو الصحيح، لأنها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب، فلم يتعلق بها التحريم، كالولادة لما دون ستة أشهر من وقت الزنا.
واختلف أصحابنا فى المنفية باللعان فمنهم من قال: يجوز للملاعن نكاحها لأنها منفية، فهى كالبنت من الزنا، ومنهم من قال: لا يجوز للملاعن نكاحها، لأنها غير منفية عنه قطعا، ولهذا لو أقر بها ثبت النسب.
وجاء فى "المهذب" (28): ويحرم على الأب نكاح جارية ابنه ولا يحد لأن له فيها شبهة تسقط الحد.
ومذهب الأحناف (29):
إلى أنه لا يحل للرجل أن يتزوج ببنته ولا ببنت ولده وإن سفلت للإجماع، ولا بامرأة أبيه وأجداده ، ولا بامرأة ابنه وبنى أبنائه نسبا أو رضاعا دون زوجة المتبنى. فإذا تزوج المجوسى (30) ابتنه ثم أسلما فرق بينها، لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عند الصاحبين أما عند أبى حنيفة فله حكم الصحة فى الصحيح ، إلا أن المحرمية تنافى بقاء النكاح فيفرق.
مذهب المالكية (31):
والمالكية يحرمون على الشخص إجماعا الأصل وهو كل من له ولادة وإن علا والفرع وإن كان من زنا وزوج الأصل والفرع فيحرم عليك زوجة أبيك وزوجة جدك وإن علا وزوجة ابنك وإن سفل. وحرم تزوج من هى فى ملك فرعه وفسخ أبدا، ولو كان ملك الفرع للامة طارئا بعد التزوج بشراء أو هبة أو صدقة أو أرث. ويملك الأب أمة ولده بتلذذه بها بالوطء، أو مقدماته بالقيمة يوم التلذذ، ويتبع بها فى ذمته أن أعدم ، وتباع عليه فى عدمه إن لم تحمل.
وينص الحنابلة (32):
على أن من المحرمات أبدا البنت من حلال أو من حرام أو من شبهة أو منفية بلعان، لدخولهن فى عموم لفظ " بناتكم"، ولأن ابنته من الزنا خلقت من مائه فحرمت عليه كتحريم الزانية على ولدها، والمنفية بلعان لا يسقط احتمال كونها من مائه، ويكفى فى التحريم أن يعلم أنها ابنته ظاهراً وإن كان النسب لغيره. وبنات الأولاد ذكورا كانواً أو إناثا وأن سفلن لقوله تعالى: " وبناتكم". ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فيحرم على الأب ابنته من الرضاع وبنات أولاده لمن الرضاع ذكوراً أو إناثا، وحليلة الابن وإن سفل من نسب أو رضاع لقوله تعالى "وحلائل أبناكم الذين من أصلابكم (33) " مع قوله - صلى الله عليه وسلم- " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وقوله "من أصلابكم" ، للاحتراز من المتبنى. وليس للأب (34) أن يتزوج أمة ولده من النسب دون الرضاع فله أن يتزوج أمة ولده من الرضاع.
مذهب الزيدية (35):
يحرم على المرء ذكرا كان أم أنثى أصوله، وهى الأمهات والجدات من قبل الأم والأب وأبويهما ما علوا، وفصوله أى فروعه ولو من زنا، سواء الزوجات والمملوكات ، وسواء قد كان وطئ الأصل أو الفرع الزوجة أو عقد عليها فقط وأما المملوكة فلابد أن يكون قد نظر أو لمس بشهوة أو نحو ذلك.
مذهب الإمامية (36):
حرمت الموطوءة على أبى الواطئ وإن علا وأولاده وان نزلوا، ولو تجرد العقد عن الوطء حرمت عليه أمها عينا على الأصح، وبنتها جمعا لا عينا. فلو فارق الأم حلت البنت. ولا تحرم مملوكة الابن على الأب، بالملك وتحرم بالوطء، وكذا مملوكة الأب. ولا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الأخر ما لم يكن عقد أو تحليل نعم يجوز أن يقوم الأب مملوكة ابنه الصغير على نفسه ثم يطأها.
الأب وصداق أولاده
مذهب الحنابلة (37):
لأب المرأة الحرة أن يشترط شيئا من صداقها لنفسه، بل يصح ولو اشترط الكل، لأن شعيبا زوج موسى - عليهما الصلاة والسلام- ابنته على رعاية غنمه، ولأن للوالد الأخذ من مال ولده، لقوله عليه الصلاة والسلام: " أنت ومالك لأبيك " ولقوله - عليه الصلاة والسلام-: " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم " رواه أبو داود والترمذى وحسنه فإذا شرط شيئا لنفسه من مهر ابنته صح إذا كان ممن يصح تملكه (انظر مصطلح تملك) ، فيكون ذلك أخذا من مالها، فتعتبر له شروطه. فإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح ذلك، وكان الألفان جميعا مهرها، وعلى أن الكل له يصح أيضا، وكان الكل مهرها، ولا يملكه الأب إلا بالقبض مع النية لتملكه كسائر مالها، وشرطه إلا يجحف بمال البنت، وقيل: ليس بشرط. فإن طلقها قبل الدخول بعد قبضه رجع الزوج عليها فى الأولى بألف لأنه نصف الصداق، وفى الثانية بقدر نصف ما شرط له، ولا شئ على الأب فيما أخذه من نصف أو كل إن قبضه بنية التملك، لأنه أخذه من مال أبنته فلا رجوع عليه بشىء منه كسائر مالها، وإن طلقها قبل القبض للصداق المسمى سقط عن الزوج نصفه المسمى ويبقى النصف للزوجة ويأخذ الأب من النصف الباقى لها ما شاء.
وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها وإن كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة، لأن عمر خطب الناس وقال: " لا تغالوا فى صداق النساء، فما أصدق النبى- صلى الله عليه وسلم- أحدا من نسائه ولا بناته أكثر من اثنتى عشرة أوقية" وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر، فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون مهر مثلها، ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض، وإنما المقصود السكن و الازدواج ووضع المرأة فى منصب عند من يكفيها ويصونها. والظاهر من الأب مع تمام شفقته وحسن نظره أنه لا ينقصها من الصداق إلا لتحصيل المعانى المقصودة، بخلاف عقود المعاوضات، فإن المقصود منه العوض.
وإن زوج الأب ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر صح، لأن تصرف الأب ملحوظ فيه المصلحة، ولزم الصداق ذمة الابن، لأن العقد له، ولا يلزم به الأب إلا إذا ضمنه. وإن تزوج امرأة فضمن أبوه أو غيره نفقتها عشر سنين مثلا صح الضمان موسرا كان الأب أو معسرا. وإن دفع الأب الصداق عن ابنه الصغير أو الكبير ثم طلق الابن قبل الدخول فنصف الصداق للابن دون الأب. وكذا لو ارتدت الزوجة قبل الدخول فرجع الصداق جميعه فهو للابن دون الأب ولو قبل بلوغ الابن، لأن الابن هو المباشر للطلاق الذى هو سبب استحقاق الرجوع بنصف الصداق، وليس للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع فى الهبة، لأن الابن ملكه من غير أبيه وهى الزوجة.
وللأب قبض صداق ابنته المحجور عليها من صغر أو سفه أو جنون، لأنه يلى مالها، فكان له قبضه كثمن مبيعها. ولا يقبض صداق الكبيرة الرشيدة ولو بكرا إلا بأذنها، لأنها المتصرفة فى مالها، فاعتبر إذنها، فلا يبرأ الزوج. وإذا غرم رجع على الأب. ولا يملك (38) الأب العفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة إذا طلقت ولو قبل الدخول.
مذهب الشافعية (39):
إذا زوج الرجل ابنه الصغير وهو معسر ففيه قولان:
قال فى القديم: يجب المهر على الأب، لأنه لما زوجه مع العلم بوجوب المهر والإعسار كان ذلك رضا منه بالتزام المهر.
وقال فى الجديد: يجب على الابن، وهو الصحيح، لأن البضع له فكان المهر عليه.
مذهب الأحناف (40):
إذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير وزاد فى مهر امرأته جاز ذلك عليهما، ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد، وهذا عند أبى حنيفة رحمه الله. وقالا: لا يجوز الحط والزيادة إلا بما يتغابن الناس فيه: أى يتسامحون فى الغبن فيه.
مذهب المالكية (41):
للأب فى مجبرته الرضا بدون صداق المثل ولو بعد الدخول. ولو جهز الرجل (42) ابنته بزائد على صداقها ومات قبل البناء أو بعده اختصت به عن بقية الورثة إن أورد الجهاز بيتها أو أشهد لها الأب بذلك قبل موته. ولا يضر إبقاؤه تحت يده بعد الإشهاد أو اشتراه الأب ووضعه عند غيره كأمها أو عندها هى فإنها تختص به إن سماه لها وأقرت الورثة بالتسمية لها أو شهدت البينة بالتسمية.
مذهب الزيدية (43):
إذا زوج الأب صغيرته بدون مهر مثلها لم تستحق توفيته، وأما إذا كانت كبيرة فزوجها بغير رضاها بأقل من مهر مثلها فإنها تستحق التوفية إلى مهر مثلها. وكذلك إذا زوجها بأقل مما رضيت من المهر فإنها تستحق أن توفى مهر مثلها إذا ما كان المسمى دون ذلك، كما تستحق ذلك أيضا إذا أذنت بأن تزوج لفلان بدون مهر مثلها فزوجها أبوها من غيره بما أذنت به.
مذهب الإمامية (44):
لو سمى لها مهرا ولأبيها شيئا سقط ما سمى لأبيها.
مذهب الظاهرية (45):
لا يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها، ولا يلزمها حكم أبيها فى ذلك وتبلغ إلى مهر مثلها. برهان ذلك أنه حق لها، لقول الله عز وجل: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " (46) فإذا هو حق لها ومن جملة مالها، فلا حكم لأبيها فى مالها لقول الله عز وجل: " ولا تكسب كل نفس إلا عليها (47) ". ولا يجوز أن يقضى بتمام مهر مثلها على أبيها إلا أن يضمنه مختارا لذلك فى ماله، لأن الله تعالى يقول: " يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " (48). والصداق بنص القرآن على الزوج لا على الأب، والقضاء به على الأب فى ماله قضاء ظالم وجور وأكل مال بالباطل لا يحل.
الأب و التفويض فى الصداق والنكاح
مذهب الحنابلة (49):
تفويض البضع: أن يزوج الأب ابنته المجبرة بغير صداق، أو تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بغير صداق، سواء سكت عن الصداق أو شرط ألا صداق فيصح العقد. ويجب له مهر المثل لقوله تعالى: " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة (50) " ولقضائه - صلى الله عليه وسلم- فى بروع بنت واشق. ولا فرق فى ذلك (51) بين أن يقول: زوجتك بغير مهر، أو يزيد: لا فى الحال ولا فى المآل، لأن معناهما واحد. وتفويض المهر، وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو ما شاء الولى، فالنكاح صحيح، ويجب مهر المثل بالعقد فى الحالتين.
ثم قال (52): وإذا أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول أو بعده فلحرة مكلفة الفسخ. فلو رضيت بالمقام معه مع عسرته أمتنع الفسخ، ولها بعد رضاها منع نفسها حتى تقبض مهرها الحال. ولا خيار لولى زوجة صغيرة ومجنونة ولو أبا، لأن الحق لها فى الصداق دون وليها وقد ترضى بتأخيره.
مذهب الشافعية (53):
يستحب تسمية المهر فى العقد، فإن لم يسم صح العقد بالإجماع لكن مع الكراهة. وقد تجب التسمية فى صور:
الأولى: إذا كانت الزوجة غير جائزة التصرف، أو مملوكة لغير جائز التصرف.
الثانية: إذا كانت جائزة التصرف وأذنت لوليها أبا أو غيره أن يزوجها ولم تفوض فزوجها هو أو وكيله.
الثالثة: إذا كان الزوج غير جائز التصرف وحصل الاتفاق على أقل من مهر مثل الزوجة. وإذا خلا العقد عن التسمية، فإن لم تكن مفوضة استحقت مهر المثل بالعقد، وإن كانت مفوضة. والتفويض: أن تقول الحرة الرشيدة لوليها: زوجنى بلا مهر فيزوج على ذلك، أو يزوج ويسكت، وحينئذ يصح العقد، ويجب لها المهر بواحد من ثلاثة أشياء:
1- أن يفرضه الزوج على نفسه وترضى بذلك ولها حبس نفسها حتى يفرض لها.
2- أن يفرضه الحاكم إذا امتنع الزوج من فرضه ولا يفرض الحاكم المهر المثل.
3- أن يدخل بها فيجب لها مهر المثل وان أذنت له فى وطئها على الا مهر لها، لأن الوطء لا يباح بالإباحة لما فيه من حق الله تعالى. وجاء فى الحاشية: خرج بالرشيدة ما لو كانت صغيرة أو كبيرة مجنونة أو سفيهة فانه يجب إلا مهر المثل بمجرد العقد. ولا يتوقفه على فرض زوج أو حاكم ولا على وطء، ومثل هذه مجبرة يجب لها مهر المثل، ولا يقال لها مفوضة. ثم قال: إذا قالت له الرشيدة زوجنى بمهر المثل فإنه لا يكون تفويضا، فيجب لها مهر المثل بالعقد فإن زوج بمهر المثل فالأمر ظاهر، وإن نقص عنه استحقت مهر المثل بالعقد كما تقدم.
مذهب الأمامية(54):
إذا زوج الأب ولده الصغير الذى لم يبلغ و يرشد وللولد مال يفى بالمهر ففى ماله المهر، وإن لم يكن له مال أصلا ففى مال الأب ولو ملك مقدار بعضه فهو فى ماله والباقى على الأب. هذا هو المشهور بين الأصحاب.
مذهب الزيدية (55):
قال الناصر:لا يصلح أن يزوج الصغيرة غير الأب والجد. وقال: الأوزاعى، روى عن القاسم، لا يزوجها إلا الأب فقط. وتخير الصغيرة تخييرا مضيقا متى بلغت، أى إذا زوجت صغيرة كان لها الخيار متى بلغت، إن شاءت فسخت النكاح، وإن لم تفسخ نفذ، وقيل: لا يشترط علمها بأن لها الخيار إلا من زوجها أبوها فى صغرها، فأنه لا خيار لها إذا بلغت إجماعا، لكن بشرطين: أن يكون زوجها كئفاً، وأن يكون ممن لا يعاف. وكذلك الصغير من الذكور كالأنثى، لا يصح العقد له من غير الأب بل يكون العقد موقوفا حقيقة فلا يصح فيه شىء من أحكام النكاح حتى يبلغ فيجيز العقد.
مذهب المالكية (56):
يجوز للأب أن يجبر الذكر المجنون والصغير لمصلحة اقتضت تزويجهما. بأن خيف الزنا على المجنون أو الضرر فتحفظه الزوجة، ومصلحة الصبى تزويجه من غنية أو شريفة أو ابنة عم أو لمن تحفظ ماله.
والصداق على الأب إذا أجبر ابنه المجنون أو الصغير وإن مات الأب لأنه لزم ذمته بجبره لهما فلا ينتقل عنها ويؤخذ من تركته، وهذا إن أعَدما، أى لم يكن لهما مال حال العقد، ولو أيسرا بعد ذلك. ولو شرط الأب خلافه بأن قال: ولا يلزمنى صداق بل الصداق على الصبى أو المجنون فلا يعمل بشرطه وإلا يعدما حال العقد بأن كانا موسرين به أو ببعضه حاله وإن أعَدما بعده فعليهما ما أيسرا به كلا وبعضا لا على الأب إلا لشرط من وَلىّ الزوجة على الأب.
وإن عقد أب لابن رشيد بإذنه ولم يبين كون الصداق عليه أو على ابنه وتطارحه ابن رشيد وأب تولى العقد بأن قال الابن لأبيه: أنت التزمت الصداق رضيت إلا أنه عليك وقال الأب: بل ما قصدت إلا أنه أبنى، فإن كان قبل الدخول فسخ ولا مهر على واحد منهما ان لم يلتزمه أحدهما، وإلا لزم من التزمه ولا فسخ. وإن تطارحاه بعد الدخول حلف الأب أنه ما قصد به الصداق إلا على أبنه وبرئ ولزم الزوج صداق المثل.
مذهب الأحناف (57):
ولاية قبض المهر للأب بحكم الأبوة إلا باعتبار أنه عاقد.
مذهب الظاهرية (58):
لا يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها، ولا يلزمه حكم أبيها فى ذلك، وتبلغ إلى مهر مثلها ولابد. برهان ذلك أنه حق. لها لقول الله عز وجل " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " (59).
الأب و طلاق زوجة ابنه وخلع ابنته الصغيرة
مذهب الشافعية (60):
ولا يجوز للأب أن يطلق امرأة الابن الصغير بعوض وغير عوض، لما روى عن عمر- رضى الله عنه- قال: إنما الطلاق بيد الذى يحل له الفرج، ولأن طريقه الشهوة، فلم يدخل فى الولاية. ولا يجوز أن يخلع البنت الصغيرة من الزوج بشىء من مالها، لأنه يسقط بذلك حقها من المهر والنفقة والاستمتاع. فإن خالعها بشىء من مالها لم يستحق ذلك، وإن كان بعد الدخول فله أن يراجعها لما ذكرنا. ومن أصحابنا من قال: إذا قلنا إن الذى بيده عقدة النكاح هو الولى فله أن يخالعها بالإبراء من نصف مهرها، وهذا خطأ، لأنه إنما يملك الإبراء على هذا القول بعد الطلاق وهذا الإبراء قبل الطلاق.
مذهب الحنابلة (61):
ليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير والمجنون ولا طلاقها لقوله -عليه الصلاة والسلام- " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ". والخلع فى معناه. وليس لأب خلع ابنته الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة بشىء من مالها، لأنه إنما يملك التصرف بما لها فيه الحظ، وليس فى ذلك حظ، بل فيه إسقاط حقها الواجب لها. والأب وغيره من الأولياء فى ذلك سواء.
مذهب المالكية (62):
جاز الخلع من المجبر، أبا كان أو وصيا أو سيدا، عن مجبرته بغير إذنها ولو بجميع مهرها، وذلك ظاهر قبل الدخول وبعده ولا يجوز لغيره من الأولياء إلا بأذن منها له فيه. وفى كون السفيهة كالمجبرة خلاف ثم قال: (63) " وموجب الطلاق أى موقعه زوج مكلف ولو سفيها أو عبدا أو ولى غير المكلف من صبى أو مجنون لنظر، أى مصلحة، ولا يجوز عند مالك وابن القاسم أن يطلق الولى عنهما بلا عوض، ونقل ابن عرفة عن اللخمى أنه يجوز لمصلحة، إذ قد يكون فى بقاء العصمة فساد لأمر ظهر أو حدث.
مذهب الأحناف (64):
من خلع ابنته وهى صغيرة بمالها لم يجز، لأنه لا نظر لها فيه، إذ البضع فى حالة الخروج غير متقوم والبدل متقوم بخلاف النكاح، لأن البضع متقوم عند الدخول. ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثلث ونكاح المريض بمهر المثل من جميع المال وإذا لم يجز لا يسقط المهر ولا يستحق مالها، ثم يقع الطلاق فى رواية، وفى رواية لا يقع.
والأول أصح لأنه تعليق بشرط قبوله فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط. وإن خالعها على ألف على أنه ضامن فالخلع واقع والألف على الأب، لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبى صحيح، فعلى الأب أولى. ولا يسقط مهرها لأنه لم يدخل تحت ولاية الأب. وان شرط الألف عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، فإن قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط، ولا يجب المال لأنها ليست من أهل الغرامة. فإن قبله الأب عنها ففيه روايتان، وكذا إن خالعها على مهرها ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها، فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر، فإن قبل الأب عنها فعلى الروايتين. وإن ضمن الأب المهر وهو ألف درهم طلقت لوجود قبوله وهو الشرط، ويلزمه خمسمائة استحسانا لحصوله قبل الدخول بها. وفى القياس يلزمه الألف نظرا لضمانه وأصله فى الكبيرة إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف، ففى القياس عليها خمسمائة زائدة، وفى الاستحسان لا شىء عليها لحدوث المقاصة من مالها من المهر وما لزم بالخلع لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها.
مذهب الظاهرية (65):
ولا يجوز أن يخالع عن المجنونة ولا عن الصغيرة أب ولا غيره، لقول الله تعالى: "ولا تكسب كل نفس إلا عليها " (66) ، وقوله تعالى: " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " (67) فمخالفة الأب أو الوصى أو السلطان عن صغيرة أو كبيرة كسب على غيره وهذا لا يجوز. واستحلال الزوج مالها بغير رضا منها أكل مال بالباطل فهو حرام.
مذهب الزيدية (68):
ولا يصح الخلع من ولى مال الصغيرة إلا إذا كان لها فيه مصلحة، ولا يصح مع المصلحة الا إذا كان العوض من غيرها لعدم اعتبار نشوزها قبل التكليف. أى لأن الخلع لا يكون إلا عن نشوز منها عن شىء مما يلزمها، فإذا خالع عن الصغيرة أبوها بمهرها لزمه لها ذلك سواء صح أم لا ، ويكون الطلاق خلعا لأنه يصح فيه العوض من الغير، وللمرأة أن تطالب الزوج بمهرها وهو يرجع به على أبيها.
مذهب الإمامية (69):
لوليها الإجبارى الذى بيده عقدة النكاح أصالة وهو الأب والجد للأب بالنسبة إلى الصغيرة العفو عن البعض، أى بعض النصف الذى تستحقه بالطلاق قبل الدخول، لأن عفو الولى مشروط بكون الطلاق قبل الدخول.
ولو بلغ الصبى فطلق قبل الولد كان النصف المستعاد للولد لا للأب، لأن دفع الأب له كالهبة للابن، وملك الابن له بالطلاق ملك جديد لا إبطال لملك المرأة السابق ليرجع إلى مالكه. وكذا لو طلق قبل أن يدفع الأب عنه لأن المرأة ملكته بالعقد وإن لم تقبضه. وقطع بسقوط النصف عن الأب، وأن الابن لا يستحق مطالبته بشىء ولو دفع الأب عن الولد الكبير المهر تبرعا أو عن أجنبى ثم طلق قبل الدخول ففى عود النصف إلى الدافع أو الزوج قولان.

__________

(1) متن المهذب ج 2 ص 38.
(2) المهذب ج 2 ص 42.
(3) المهذب ج 2 ص 39.
(4) الهداية ج1 ص 155،158.
(5) المرجع السابق ج 1 ص 154 وما بعدها.
(6) كشاف القناع ج3 ص 28.
(7) سورة الأنبياء:90.
(8) سورة إبراهيم:40.
(9) كشاف القناع ج3 ص 23.
(10) كشاف القناع ج3 ص 24.
(11) التاج المذهب ج 2 ص 17.
(12) المختصر النافع ص 172،173.
(13) المرجع السابق ص 172.
(14) الشرح الصغير ج1 ص 347.
(15) المرجع السابق ج 1 ص 350.
(16) المرجع السابق ج 1 ص 360.
(17) المرجع السابق ج 1 ص 360.
(18) المرجع السابق ج 1 ص 363.
(19) المرجع السابق ج 1 ص 362.
(20) الشرح الصغير ج1 ص 363.
(21) المرجع السابق ج 1 ص 364.
(22) المحلى ج 9 ص 451.
(23) سورة النور: 32.
(24) شرح النيل ج1 ص 265،267.
(25) شرح المهذب ج2 ص 44-55.
(26) سورة النساء:23.
(27) سورة النساء:22.
(28) المهذب ج 2 ص 48.
(29) الهداية ج1 ص 150.
(30) الهداية ج1 ص 173.
(31) الشرح الصغير ص 364،368.
(32) كشاف القناع ج3 ص 40.
(33) سورة النساء:23.
(34) كشاف القناع ج3 ص 51.
(35) التاج المذهب ج 3 ص 7.
(36) المختصر النافع ص 174 وما بعدها.
(37) كشاف القناع ج3 ص 80.
(38) كشاف القناع ج3 ص 86.
(39) المهذب ج 2 ص 65.
(40) الهداية ج1 ص 159.
(41) الشرح الصغير ج1 ص 381.
(42) المرجع السابق ج 1 ص 384.
(43) التاج المذهب ج 2 ص 53.
(44) المختصر النافع ص 188.
(45) المحلى ج 9 ص 466، 467.
(46) سورة النساء:4.
(47) سورة الأنعام:164.
(48) سورة النساء:29.
(49) كشاف القناع ج3 ص 92.
(50) سورة البقرة:236.
(51) كشاف القناع ج3 ص 93.
(52) كشاف القناع ج3 ص 97.
(53) الخطيب الشربينى شرح أبى الشجاع ج2 ص 126،127 طبعة الحلبى.
(54) الروضة البهية ج2 ص 122.
(55) شرح الأزهار ج53 ص 248،251.
(56) الدردير ج1 ص 369.
(57) الهداية ج1 ص 176.
(58) المحلى ج 9 ص 466.
(59) سورة النساء:4.
(60) المهذب ج 2 ص 75.
(61) كشاف القناع ج3 ص 127.
(62) الشرح الصغير ج1 ص 403.
(63) المرجع السابق ج 1 ص 405.
(64) الهداية ج2 ص 14.
(65) المحلى ج 10 ص 244.
(66) سورة الأنعام:164.
(67) سورة النساء:29.
(68) التاج المذهب ج 2 ص 177.
(69) الروضة البهية ج2 ص 118،123.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة