لقراءة الجزء التاسع اضغط هنا
المعنى اللغوى: الإحالة مصدر فعله أحال والمادة تدل على الانتقال والتغير من حال إلى حال ومن ذلك قولهم حال المشىء إذا تغير ومثله استحال ومنه تحول من مكانه إذا اتنقل وحولته نقلته من موضع إلى آخر وأحال المشىء إلى غيره ومن ذلك أخذت الحوالة ويقال أحلته بدينه اذا نقلته من ذمتك الى ذمة أخرى كما يقال أحلت المشىء إذا نقلته والاسم الحوالة كسحابة (1).
المعنى الشرعى: من الاعتبارات الشرعية التى أسس عليها كثير من الأحكام الفقهية شغل ذمة الإنسان بما يلتزم به من مال عوضا عن مال تملكه أو منفعة استحقها أو حق أصبح مختصا به أو نتيجة قرض فيصبح بذلك مدينا مطالبا بأدائه ويعرف هذا المال حينئذ باسم الدين وتستمر ذمته مشغولة به إلى أن يوفيه أو يبرئه منه صاحبه الذى يعرف حينئذ باسم الدائن وقد يتفق المدين مع دائنه أن يحل محله فى هذا الدين آخر ينقل إلى ذمته هذا الدين وتبرأ منه ذمة المدين فتنتهى بذلك مطالبته به وذلك بطريق التبرع والتفضل من هذا الشخص أو نظير براءته من دين شغلت به ذمته للمدين الأول أو على أن يحل محله فى المطالبة بهذا الدين والوفاء به فتنتقل إليه المطالبة به ولا توجه إلى المدين الأصلى وذلك على حسب اختلاف الفقهاء فيما تدل عليه تلك المعاملة وما يترتب عليها من أثر وتقوم هذه المعاملة على وجود الأركان الآتية: مدين يحيل الدين وينقله أو ينقل المطالبة به الى غيره ويسمى بالمحيل ومحال هو الدائن يحيله المدين إلى ثالث ليصير. سر مطالب ليصير له بالدين ومحال عليه وهو من التزم للمحال بأن يوفيه هذا الدين وصار بذلك مطالبا به، ودين شغل ذمة المدين وانتقل بهذا الاتفاق إلى ذمة المحال عليه أو أنتقلت إليه المطالبة به وتسمى هذه المعاملة حوالة أو إحالة غير أن ان إطلاق اسم الإحالة عليها قليل الاستعمال فى لسان الفقهاء واستعمالاتهم والكثير الغالب إطلاق أسم الحوالة عليها وتحت هذا الاسم عرفوها وبينوا أنواعها وأركانها وشروطها وموضوعها وأحكامها وجميع ما يتعلق بها مما تتطلبه دراستها من جميع نواحيها، ولذا كان المستحسن الاقتداء بصنيع الفقهاء والرجوع فى تعريف الإحالة وبيان جميع ما يتعلق بها إلى مصطلح "حوالة ".
__________
(1 ) القاموس والمصباح والمعجم الوسيط.
التعريف به:
الاحتباء بالثوب الاشتمال ، والاسم الحِبوة و الحُبوة ، و هى الثوب الذى يحتبى به ، وفى الحديث أنه نهى عن الاحتباء فى الثوب الواحد.
ابن الأثير: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها ، قال: وقد يكون الاحتباء باليدين عوضا عن الثوب ، وإنما نهى عنه لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب عنه فتبدو عورته(1).
وفى الحديث الاحتباء حيطان العرب، يعنى ليس فى البرارى حيطان فإذا أرادوا الاستناد احتبوا ، لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار (2).
واستعمله الفقهاء بهذا المعنى، واختلفوا فى حكمه فى انتظار الصلاة يوم الجمعة، فأجازه طائفة منهم وكرهه آخرون.
مذهب الحنفية:
أما الأحناف فقالوا: وللرجل أن يحتبى فى يوم الجمعة إن شاء لأن قعوده فى انتظار الصلاة فيقعد كما يشاء.
وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم فى التطوعات فى بيته كان يقعد محتبيا ، فإذا جاز ذلك فى الصلاة ففى حالة انتظارها أولى (3).
مذهب المالكية:
وقال المالكية: يجوز الاحتباء والإمام فى الخطبة. وقال الباجى فى المنتقى: روى ابن نافع عن مالك: لا بأس أن يحتبى الرجل يوم الجمعة والإمام يخطب.
وقال فى النوادر: وله ان يحتبى والإمام يخطب.
قال أبو داود: وكان ابن عمر يحتبى والإمام يخطب، وكان أنس كذلك؟ وجل الصحابة والتابعين قالوا لا بأس بها، ولم يبلغنى أن أحدا كرهه إلا عبادة بن نسى.
وقال الترمذى: وكره قوم الحبوة وقت الخطبة ورخص فيها آخرون.
وقال الخطابى بالنسبة للحبوة والمعنى فيه أنها تجلب النوم فتعرض طهارته للنقض وتمنع من استماع الخطبة، لما روى أبو داود والترمذى والحاكم وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (4).
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية: ويكره الاحتباء حال الخطبة للنهى الصحيح عنه ولجلبة النوم(5)
مذهب الحنابلة:
وأما الحنابلة فقالوا: ولا بأس بالاحتباء مع ستر العورة لما تقدم من مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: " ليس على فرجه منه شىء "، يعنى الحديث الذى رواه إسحاق بن عبد الرازق عن معمر عن الزهرى عن عطاء بن يزيد عنه مرفوعا: نهى عن لبستين وهما اشتمال الصماء( وهو أن يضع ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو واحد شقيه ليس عليه ثوب) والاحتباء ( وهو أن يحتبى به ليس على فرجه منه شىء).
ويحرم الاحتباء مع عدمه، أى عدم ستر العورة، لما فيه من كشف العورة بلا حاجة، وعلم من الحديث انه إذا كان عليه ثوب آخر لم يكره لأنه لبسة المحرم وفعلها النبى صلى الله عليه وسلم وأن صلاته صحيحة إلا أن تبدو عورته (6).
وقالوا أيضا: ولا بأس بالحبوة نصا مع ستر العورة وفعله جماعة من الصحابة وكرهه الشيخان لنهيه عليه الصلاة والسلام عنه، رواه أبو داود والترمذى وحسنه، وفيه ضعف (7).
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى فقال: الاحتباء جائز يوم الجمعة والإمام يخطب.
وروى عن بن عمر أنه كان يحتبى يوم الجمعة والإمام يخطب. وكذلك عن أنس بن مالك و شريح و صعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعى، ومكحول ، و إسماعيل بن محمد بن سعد ابن أبى وقاص، ونعيم بن سلامة، ولم يبلغنا عن أحد من التابعين أنه كرهه إلا عبادة بن نسى وحده، ولم ترو كراهة ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم (8).
مذهب الزيدية:
أما الزيدية فقد ذهبوا الى عدم جوازه ونصوا على أنه لا يحتبى للخبر عن معاذ بن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (9).
مذهب الإمامية:
وقال الإمامية: يجوز الاحتباء ولو فى ثوب يستر العورة لما ورد فى الحديث عن الإمام- الصادق- فيما رواه سماعة- قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يحتبى بثوب واحد ، فقال:إن كان يغطى عورته فلا بأس (10).
وكرهوا الاحتباء فى المسجد الحرام لما رواه حماد عن الصادق إعظاما للكعبة (11).
مذهب الإباضية:
وقال الإباضية: ولا يضر احتباء (12).
__________
( 1) لسان العرب لابن منظور، مادة " حبا ".
(2 ) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 2 ص176.
(3) المبسوط ج2 ص36.
(4) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج2 ص 176.
(5) نهاية المحتاج ج2 ص315.
(6) كشاف القناع ج1 ص188.
(7) كشاف القناع ج ا ص350.
(8) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص67 0
(9 ) البحر الزخار ج 2 ص54.
(10)وسائل الشيعة ومستدركاتها للحر العاملى باب الحج.
(11) المصدر السابق.
(12) متن النيل ج1 ص83.
المعنى اللغوى:
جاء فى القاموس: " إحتبسه: حبسه فأحتبس ، لازم ومتعد ".
الإحتباس وسيلة لوجوب
نفقة الزوجة
وهذا يقتضى إن نبين ما يكون به الإحتباس وما يفوت به الإحتباس الموجب للنفقة فى المذاهب.
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية، كما فى الهداية
و شروحها (1):
أن النفقة واجبة للزوجة على زوجها سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة اذا سلمت نفسها غليه، فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها، والأصل فى ذلك قوله تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته " (2)، ولأن النفقة
وقالوا أيضا: ولا بأس بالحبوة نصا مع ستر العورة وفعله جماعة من الصحابة وكرهه الشيخان لنهيه عليه الصلاة والسلام عنه، رواه أبو داود والترمذى وحسنه، وفيه ضعفا (3).
مذهب الظاهرية:
إما ابن حزم الظاهرى فقال: الاحتباء جائز يوم الجمعة والإمام يخطب.
وروى عن ابن عمر أنه كان يحتبى يوما الجمعة والإمام يخطب. وكذلك عن أنس ابن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعى، ومكحول ، و إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبى وقاص، ونعيم بن سلامة، ولم يبلغنا عن أحد من التابعين أنه كرهه إلا عبادة بن نى وحده، ولم ترو كراهة ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم (4).
مذهب الزيدية:
أما الزيدية فقد ذهبوا إلى عدم جوازه ونصوا على انه لا يحتبى للخبر عن معاذ بن انس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (5).
مذهب الإمامية:
وقال الإمامية: يجوز الاحتباء ولو فى ثوب يستر العورة لما ورد فى الحديث عن الإمام- الصادق- فيما رواه سماعة- قال سألت أبا عبد الله عن الرص يحتبى بثوب
جزاء الإحتباس فكل من كان محبوسا بحق لغيره كالقاضى والعامل فى الصدقات والمفتى و الوالى ، والمضارب، و المقاتلة إذا قاموا بدفع عدو المسلمين.. والنساء محبوسات لحق الزوج فتجب نفقتهن عليهم مسلمات كن أو لا، ولو غنيات.
وقال كل من صاحبى فتح القدير والعناية تعليقا على قول الميرغينانى فى الهداية: " اذا سلمت نفسها فى منزله " ليس شرطا لازما فى ظاهر الرواية ، بل من حين العقد على الصحيح وإن لم تنتقل إلى منزل الزوج إذا لم يطلب الزوج انتقالها ت فإن طلبه فامتنعت لحق لها كمهرها لا تسقط النفقة أيضا، وإن كان لغير حق فلا نفقة لها لنشوزها.
وقال بعض المتأخرين: لا نفقة لها حتى تزف إلى منزل الزوج، وهو رواية عن أبى يوسف، وليس الفتوى عليها.
ونقل الكمال عن بعض الفقهاء أن تسليمها نفسها شرط بالإجماع ، وفيه نظر.
ونقل صاحب العناية ما يؤيد أن الشرط ليس بلازم على إطلاقه ، فقال: أن النفقة حق المرأة، والانتقال حق الزوج فإذا لم يطالبها بالنقلة فقد ترك حقه، وهذا لا يوجب بطلان حقها.
ويقولون (6): إن المرأة إذا امتنعت عن تسليم نفسها قبل الدخول أو بعده حتى يعطيها المهر فلها النفقة لأنه منع بحق فكمان فوت الإحتباس لمعنى من قبله فيجعل كأنه ليس بفائت، وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله، لأن فوت الاحتباس منها وإذا عادت جاء الاحتباس فتجب النفقة، وإذا امتنعت من التمكين فى بيت الزوج فلها النفقة، لأن الإحتباس قائم والزوج يقدر على الوطء كرها، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها فلا نفقة لها لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها.
و الإحتباس الموجب للنفقة ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح، ولم يوجد، لأن الصغيرة التى لا تصلح للجماع لا تصلح لدواعيه، لأنها غير مشتهاة، وإذا كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهى كبيرة فلها النفقة من ماله لأن التسليم قد تحقق منها، وإنما العجز من قبله فصار كالمجبوب والعنين، وإذا حبست المرأة فى دين (7).
فلا نفقة لها لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة، وإن كانا عاجزين بأن كانا صغيرين ففيه بحث. قال الكمال: والتحقيق أن النفقة لا تجب إلا تسليمها لاستيفاء منافعها المقصودة بذلك التسليم، فيدور وجوبها معه وجودا وعدما فلا تجب "فى الصغيرين، وتجب فى الكبيرة تحت الصغير.
قالوا: وإذا غصبها رص كرها فذهب بها فلا نفقة لها، وعن أبى يوسف أن لها النفقة.
قال الميرغينانى: والفتوى على الأول لأن فوت الاحتباس ليس منه حتى يجعل باقيا تقديرا 0
وإذا حجت مع محرم. فلا نفقة لها لأن فوت الاحتباس منها، وعن أبى يوسف
آن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر، ولكن تجب عليه نفقة الضر دون السفر لأنها هى المستحقة عليه، ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها وتجب نفقة الحضر دون السفر.
وإذا مرضى فى منزل الزوج قال الميرغينانى: لها النفقة، والقياس إن لا نفقة لها إذا كان مرضا يمنع من الجماع لفوت الاحتباس للاستمتاع.
وجه الاستحسان إن الاحتباس قائم فإنه يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع بعارض فأشبه الحيض.
وعن أبى يوسف إنها إذا سلمت نفسها ثم مرضت تجب النفقة لتحقق التسليم ولو مرضت ثم سلمت نفسها لا تجب لها النفقة لأن التسليم لم يصح.
وقال الكاسانى فى الاستدلال بالمعقول (8):
أن المرأة محبوسة بحبس النكاح حقا للزوج ممنوعة عن الاكتساب بحقه، فكان نفع حبسها عائدا إليه فكانت كفايتها عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: " الخراج بالضمان " ولأنها إذا كانت محبوسة بحبسه ممنوعة من الخروج للكسب بحقه فلو لم تكن كفايتها عليه لهلكت، ولهذا جعل للقاضى رزق فى بيت مال المسلمين لحقهم لأنه محبوس لجهتهم ممنوع عن الكسب، فجعلت نفقته
فى مالهم وهو بيت المال.
كذا هنا، وقال: إن سبب وجوب النفقة للزوجة عند أصحابنا استحقاق الدق الثابت بالنكاح للزوج عليها، والدليل على ذلك أن حق الحبس الثابت للزوج عليها بسبب النكاح مؤثر فى استحقاق النفقة لها عليه لما بينا.
ثم قال: إن النفقة تجب للزوجة فى العدة من نكاح صحيح بهذا السبب، وهو استحقاق الحبس للزوج عليها بسبب النكاح لأن النكاح قائم من وجه فتستحق النفقة كما كانت تستحقها قبل الفرقة أولى ، لأن حق الحبس بعد الفرقة تكد بحق الشرع و تأكد السبب يوجب تكد الحكم، سواء كانت العدة عن فرقة بطلان أو عن فرقة بغير طلاق من قبل الزوج أو من قبلها، إلا إذا كانت من قبلها بسبب محظور استحسانا. وأطال فى تفصيل ذلك.
وقال صاحب الدر أيضا (9): لو سلمت نفسها بالليل دون النهار أو عكس ذلك،- فلا نفقة لها لنقص التسليم.
ونقل عن المجتبى أن ذلك يدلنا على جواب واقعة فى زماننا، أنه لو تزوج من المحترفة التى تكون بالنهار فى مصالحها وبالليل عنده فلا نفقة لها. وقال فى النهر فيه نظر.
وبين ابن عابدين وج النظر بأنها معذورة لاشتغالها بمصالحها بخلاف المقيس عليه
فإنه لا عذر لها فنقص التسليم منسوب إليها..
ونقل ابن عابدين عن الهندية أن الأمة إذا سلمها السيد لزوجها ليلا فقط ضلي السيد نفقة النهار وعلى الزوج نفقة الليل، وقياس المحترفة كذلك.
ثم قال ابن عابدين: إن له منعها من الغزل وكل عمل ولو قابلة ومغسلة. فان عصته وخرجت بلا أذنه كانت ناشزة ما دامت خارجة، وان لم يمنعها لم تكن ناشرة.
مذهب المالكية:
جاء فى متن خليل والشرح الكبير (10): "تجب النفقة لممكنة من نفسها مطيقة للوطء بلا مانع بعد أن دعت هى أو مجبرها ) أى من له حق إجبارها على الزواج (أو وكيلها للدخول "، وعلق الدسوقى على ذلك نقلا عن ابن سلمون بقوله: ان الممكنة هى التى لا تمتنع من الوطء إذا طلبت ، بوأها زوجها معه بيتا أم لا.-
وقال الدردير: إن النفقة لا تجب لغير ممكنة، أو التى لم يحصل منها أو من وليها دعاء، أو صل قبل مضى زمن يتجهز فيه كل منهما، ولا لغير مطيقة، ولا مطيقة بها مانع كرتق إلا أن يتلذذ بها مع علمه - بالمانع.
ثم قال (11): ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه كأبوية، إلا الوضيعة فليس لها الامتناع من السكني مم، وكذا الشريفة إن اشترطوا عليها سكناها معهم.
وعلق الدسوقى على ذلك بقوله إن لها حق الإقناع ولو بعد رضاها بسكناها معهم ولو لم يثبت الضرر لها بمشاجرة و نحوها.
ثم قال: والظاهر أفه ليس لها الامتناع من السكنى مع خدمه وجواريه.
وقال بعضهم: أن لها الامتناع من السكنى معهم ولو لم تحدث بينها وبينهم مشاجرة بدليل تعليل ابن رشد وغيره عدم السكنى مع أهله بقولهم لما عليها من الضرر باطلاعهم على أمرها وما تريد أن تستره عنهم من شأنها.
وقالوا (12): إن النفقة تسقط إن منعت زوجها الوطء أو الاستمتاع بدونه فتسقط نفقتها عنه فى اليوم الذى منعته فيه من ذلك، وكذلك إذا خرجت من محل طاعته بلا إذن ولم يقدر على ردها بنفسه أو رسوله أو حاكم ينصف، وهذا إن لم تكن حاملا وإلا فلها النفقة وإن خرجت.
وقيد الدسوقى الخروج المسقط للنفقة بما إذا كانت ظالمة فى ذلك الخروج لا ما إذا كانت مظلومة، ولا حاكم ينصفها.
ثم قال: أن الهاربة خفية لمكان مجهول تسقط نفقتها، ولو قدر على ردها أو عم بمكانها..
ويقول ابن رشد (13): إن هناك اختلافا فى شأن الزوج غير البالغ هل تجب عليه النفقة، وسبب اختلافهم هل النفقة لمكان الاستمتاع أو لمكان أنها محبوسة على الزوج كالغائب والمريض.
وجاء فى المدونة (14): إن مالكا يقول فى المريضة إذا دعته للدخول بها، وكان مرضها إلا بمنع من الجماع فان النفقة لازمة للزوج، أما إذا كان لا يقدر على جماعها فى المرض فدعت إلى البناء بها وطلبت النفقة فان لها ذلك.
وقال مالك فى الأمة (15): إن لها النفقة وإن وأنت تبيت عند أهلها.
وقال الدردير (16) فى المطلقة: إن المطلقة رجعيا لا تسقط نفقتها مطلقا، والبائن تسقط نفقتها إن لم تحمل، على تفصيل فيما يجب من أنواع النفقة، على ما يتبين فى مصطلح "نفقة".
وقال خليل الدردير(17): أن المرأة إن ح!بست فى دين فلا تسقط نفقتها لأن المنع من الاستمتاع ليس من جهتها وكذلك ان حبسته مى. فى دين لها عليه لاحتمال أن يكون معه مال أخفاه فيكون متمكنا من
الاستمتاع بأدائه لها، ولو حبسه غيرها لم تسقط بالأولى، وكذلك إذا حجت الفرض لا تسقط نفقتها ولو بغير أذنه أو حجت تطوعا بإذنه ولها نفقة الحضر.
مذهب الشافعية:
جاء فى الإقناع على متن أبى شجاع (18): إن النفقة واجبة للزوجة الممكنة نفسها تمكينا تاما لأنها سلمت ما ملك عليها فيجب ما يقابله من الأجرة لها ولا تجب بمجرد العقد لأنه صلى الله عليه وسلم تزوج طائشة وهى صغيرة ودخل بها بعد سنتين ولم ينقل أنه أنفق عليها قبل الدخول، ولو كان حقا لها لساقه أليها، ولو وقع لنقل.
وعلل البجرمى فقال: إن النفقة دائرة مع التمكين وجودا وعدما.
ويقول الخطيب: فإن لم تعرض عليه زوجته مدة مع سكوته عن طلبها ولم تمتنع فلا نفقة لها لعدها التمكين، وان عرضت عليه وهى عاقلة بالغة مع ضرورة فى بلدها كأن بعثت إليه تخبره أنى مسئمة نفى إليك ، فاختر أن آتيك حيث شئت "و تأتى
إلى وجبت نفقتها من حين بلوغ الخبر، ولو اختلف الزوجان في التسكين، فقالى مكنت فى وقت كذا فأنكر ولا بينة صدق بيمينه لأن الأصل عدمه (19).
وعلق البجرمى على قول الخطيب " أن النفقة واجبة للزوجة الممكنة " فقال: أن
الممكنة تصدق بالمسلمة والذمية والأمة ويخرج بها غير الممكنة فلا نفقة لها.
ثم قال (20): إن عدم التمكين يحصل بأمور منها: النشوز، ومنها الصغر بخلاف الكبيرة إذا كان زوجا صغيرا فلها النفقة، ومها العبادات التى تمنع التمكين، فإذا أحرمت بحج أول عمرة بغير إذنه وهى فى البيت فلها النفقة ما لم تخرج، لأنه قادر على تحليلها أو بإذنه فان لم يخرج معها فلا نفقة لها، وكذا إذا صامت تطوعا بغير إذنه أو امتنع من الإفطار فليس لها النفقة.
ويقول: إذا نشزت بعض النهار سقطت جميع نفقة ذلك اليوم، وإذا نشزت بعض الليل سقطت نفقة اليوم الذى بعده.
ثم قال: إن التمكين غير التام يسقط النفقة كما اذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء ولو تمتع بالمقدمات وما إذا كانت أمة مسلمة له نهارا لا ليلا أو العكس أو فى نوع من التمتع دون آخر.
وقالوا فى زوجة المعسر الذى أمهله الحاكم بالنفقة أن لها الخروج لتحصيل نفقة بكسب أو سؤال، وعليها رجوع لمسكنها ليلا لأنه وقت الدعة وليس لها منعه من التمتع.
وفى نهاية المحتاج (21): أن النفقة تسقط بالنشوز ولو بحبسها ظلما أو حقا وإن كان
الحابس هو الزوج وبالأولى تسقط لو حبسته ولو بحق للحيلولة بينه وبينها.
وقال (22): أن المرض الذى يضر معه الوطء والحيض أيضا عذر فى عدم تمكينها من الوطء فتستحق المؤن.
قال: والخروج من البيت الذى رضى بإقامتها فيه ولو بيتها أو بيت أبيها بلا أذن منه ولا ظن رضاه نشوز ، إلا أن يشرفه على الانهدام، أو الخروج لقاض لطلب الحق أو تعلم أو استفتاء ان لم يفتها زوجها أو المحرم ، أو يخرجها معتد ظلما فليس بنشوز وتستحق النفقة.
وقال (23): وتجب النفقة للمطلقة رجعيا حرة أو أمة ولو حاملا لبقاء حبس الزوج وسلطنته والبائن لا نفقة لها.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامه (24) فى باب عشرة النساء:
إذا تزوج امرأة فطلب تسليمها إليه وجب ذلك وان عرضت نفسها عليه لزمه تسلمها و وجبى نفقتها وإن طلبها فسألت الأنظار أنظرت مدة جرت العادة إن تصلح أمرها فيه: ثم أن كانت حرة وجب تسليمها ليلا ونهارا وان كانت أمة لم يلزم تسليمها إلا بالليل لأنها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها فلم يلزم تسليمها فى غير وقتها، وعلل ذلك (25) فى موضع آخر بأن النفقة فى مقابلة
التمكين وقد وجد منها بالليل فتجب النفقة على الزوج فيه فقط.
ثم قال: وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما يمكن الاستغناء عنه ولو لزيارة الوالدين أو عيادتهم أو حضور جنازة أحدهما ولا جوز لها الخروج إلا بإذنه ولكن لا ينبغى للزوج منعها من عيادة الوالدين وزيارتهما.. وان كانت مسلمة فقال القاضى له منعها من الخروج إلى المسجل.
وقال (26): وإذا رضيت بالمقام مع الزوج وهو معسر لم يلزمها التمكين من الاستمتاع وعليه تخلية سبيلها لتكتسب لها وتحصل ما تنفقه على نفسها لأن فى حبسها بغير نفقة إضرار بها ولو كانت موسرة أيضا وهو" معسر لم يكن له حبسها لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المئونة وأغناها عن ما لابد لها منه، ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب عليها فإذا انتفى الأمران لم يملك حبسها.
ويقول (27): إن المرأة تستحق النفقة علي زوجها بشرطين:
أحدهما: أن تكون كبيرة يمكن وجوها فان كانت صغيرة لا تحتمل الوطء فلا نفقة لها لأن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع ولأن من لا تمكن الزوج من نفسها لا يلزم الزوج نفقتها.
الثانى:. أن تبذل التمكين التام من نفسها لزوجها فإن منعت نفسها أو منعها أولياؤها
أو تساكنا بعد العقد فلم تبذل ولم. يطلب فلا نفقة لها وان أقاما زمنا واستدل بحديث عائشة السابق 0
ثم قال: ولأن النفقة تجب فى مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح ، ولو بذلت تسليما غير تام لم تستحق النفقة إلا إذا كانت اشترطت ذلك فى العقد وتجب لها النفقة وإن غاب الزوج بعد تمكينها لأنها استحقتها بالتمكين ولم يوجد ما يسقطها، وأن غاب قبل تمكينها فلا نفقة لها عليه. وإذا مكنت وزوجها صغير أجبر ولمجا على نفقتها من مال الصغير وأن بذلت الرتقاء أو الحائض أو المهزولة التى لا يمكن وطؤها أو المريضة تسليم نفسها لزمه نفقتها لأنه لا تفريط من جهتها (28). وللمرأة أن تمنع نفسها حتى تتسلم صداقها وإذا سافرت بغير إذنه سقطت نفقتها، وكذلك اذا انتقلت من منزله بغير إذنه وأن سافرت بإذنه فى حاجته فهى على نفقتها، وان كانت حاجة نفسها سقطت نفقتها لأنها فوتت التمكين لحط نفسها إلا أن يكون مسافرا معها متمكنا من الاستمتاع بها، وسواء كان سفرها لتجار أو بم تطوع أو زيارة وان أحرمت بالحج الواجب أو العمرة الواجبة فى الوقت الواجب من الميقات فلها النفقة لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع فلم تسقط نفقتها كما لو صامت رمضان.
والقياس أن الاعتكاف بغير إذن كالسفر- وان، كان بإذنه فلا نفقة لها أيضا على قول الخرقى ، وقال القاضى: لا النفقة.
وقال ابن قدامه(29): اذا طلق امرأته طلاقا بائنا فان كانت حاملا استحقت النفقة وإن كانت حائلا فلا نفقة لها على خلاف فى السكنى، والمطلقة رجعيا لا النفقة.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم (30): على الزوج كسوة الزوجة ونفقتها مذ يعقد النكاح صغيرة كانت أو كبيرة دعى إلى البناء أو لم يدع نشزت أو لم تنشز حرة كانت أو أمة بوأت معه فى بيت أو لم تبوأ.
مذهب الزيدية:
يقول صاحب البحر الزخار (31): تسلم البالغة نفسها تسليما تاما لا فى جهة دون أخرى، فإن قالت لا أسلم تمسى إلا فى هذا المكان أو بشرط ألا تكشف ثيابي فنشوز مسقط للنفقة، فإن عقد فلم يطالب ولا سلمت تمسها مدة فالمذهب وجوبها.
وقال الإمام يحي: إن تسليم الولى للبالغة الكارهة لا يوص لا يوجب إذا لم يتسلمها إذ لا ولاية أتولى فى مالها، فإن أرادت تسليم نفسها للغائب أعلمت الحاكم فراسله وفرض لها بحد صحة تمرده، فإن عاقه عن تسلمها عائق فى سفره فلا نفقة لها حتى يتسلمها.
وإذا أسلمت المراهقة نفسها أو وليها فكالكبيرة، فان امتنعا فالقياس يقتضى كونه نشوزا.
وقال الإمام يحيى فى غير المراهقة ان تسليمها كلا تسليم، وإن صلحت وفى ذلك خلاف فى المذهب، وعليه نفقة الطفلة إلى لا تصلح خلافا لبعضهم لأنها محبوسة من أجله غير ممتنعة كالمريضة وتلزم النفقة الصغير فى ماله.
وقال الإمام يحيى: يحتمل ألا تجب إذ لا- تمكين. قلنا العذر من جهته كما لو هرب وخروجها بغير إذنه مسقط للنفقة فإن خرجت بإذنه لحاجته وجبت.
وجاء فى البحر أيضا فى الموضوع: وإذا امتنعت لتسليم المهر فلها النفقة إجماعا ، وإذا نشزت ثم طلقت فلا نفقة للعلة ما لم تتب.
وفى موضع آخر (32): ولا يلزم السيد تسليم أمته لزوجها نهارا لملكه استخدامها فان فعل لزمت نفقتها لتمام التسليم.
وقال الإمام يحيى: يحتمل إن يلزمها نصفها بتسليم الليل وتسقط نفقتها بالإحرام بغير إذنه ، فان صامت بإذنه لم تسقط وله منعها من التطوع، فان صامت بعد منعه فناشزة وإن لم تخرج من المنزل.
مذهب الشيعة الجعفريه:
تجب نفقة الزوجة بالعقد الدائم بشرط التمكين الكامل(33) وهو إن تخلى بينه
وبين نفسها قولا وفعلا فى كل زمان ومكان يسوغ فيه الاستمتاع. فلو بذلت فى زمان دون زمان أو مكان دون مكان وكان كل من الزمان والمكان يصلح للاستمتاع فيه فلا نفقة لها.
ثم قال: وحيث كان مشروطا بالتمكين فلا نفقة للصغيرة التى لم تبلغ سنا يجوز الاستمتاع بها بالجماع على أشهر القولين لفقد الشرط وهو المكين من الاستمتاع، ولو كانت كبيرة ممكنة والزوج صغيرا وجبت النفقة لوجود المقتضى وانتفاء المانع لأن الصغر لا يصلح للمنع. ولا نفقة للناشزة الخارجة عن طاعة الزوج ولا للساكتة بعد العقد ما لم تعرض التمكين عليه بأن تقول: سلمت نفسى إليك فى أى مكان شئت، ونحو ذلك وتعمل بمقتضى قولها حيث يطلب، ومقتضى ذلك أن التمكين الفعلي خاصة غير كاف.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه (34): " لا يلزم الزوج حق البكر، كنفقتها ، وهى التى لها أب لتعلق حقوقها به حتى يجلبها، أى يتسلمها الزوج، أو يقول له أبوها اجلبها أو تجئ إليه على ألا ترجع إلى أبيها أو أمسكها وإن لم يكن لها أب كذلك، ولو كانت ثيبا لزمت حقوقها من حين العقد.
وإن ترك الزوج جلبها، أى أخذها، تهاونا بها لزمه نفقتها وكسوتها وسكناها و مؤونتها ولو لم تطلب الجلب.
ثم قال: إن المجىء إلى زوجها حق عليها فلا يلزمه كراء الدابة أو السفينة ونحو ذلك للقدوم عليه من غيبتها.
وجاء فيه (35): إن الزوجة إن مضت لواجب حج لزمته نفقتها فى الرجوع وقيل فى الذهاب، والصحيح أنها لا تلزم هو فى الذهاب لأن الحج فرض عليها وليمس فى ذهابها إليه حق لزوجها لأنها فارقته بالسفر بخلاف الرجوع فانه رجوع إلى حقوقه بعد الذهاب عها وبخلاف ما إذا كان الحج نفلا فإن إذنه لها فيه ترك لحقوقه عليها ما لم ترجع لا لحقوقها عليه ما أمكنت فلا تبطل نفقتها و كسوتها.
ثم قال: إن حقوقها لازمة فى حيضها ونفاسها وفى نهار رمضان مع انه ممنوع من وقاعها، مع انه لو منعت امرأة زوجها من وقاعها و أباحت المقدمات لأبطلت حقوقها.. قال (36): وإن سافر معها لزمه كراء الدابة وسائر حقوقها الممكنة فى السفر ذهابا ورجوعا.
ثم قال (37): وإن حبست فى تعدية بسبب اعتداء فعليه مؤوتنها ، ولها أن تطلبه أن يأتيها فى الحبس وأن تغلق الباب عليه معها، وإن حبست فى تعدية منها.
فكانت محبوسة على الحق أو من الحابس أو من غيره فتكون محبوسة على غير الحق فعليه مؤنتها لأنها إن حبست على الحق فليست تعديتها مبطلة لحقها لأن له
أن يأتيها فى الحبس وإن حبست على غير حق فذلك مصيبة لا يبطل بها حقها- ولكن له فيما بينه وبين الله على حابسها على غير حق مثل ما أنفق عليها لأنه عطلها عن محله ولو كان يجد الدخول إليها، ألا ترى أنه لا حق لها إذا أبت الجلب إلى بيته ولو أباحت له الدخول إليها فى بيتها.
وقال (38): أنه تلزم الزوج نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها وسكاها فى العدة والحامل التى طلقت ثلاثا أو بائنا لها نفقة فقط حتى تضع، ووجه ذلك أنه شغل بطنها بالحمل وقد يمنعها الحمل من الاكتساب أو بعضه.
__________
(1) راجع الهداية للميرغيانى وفتح القدير عليها ، وكذا العناية ج3 ص321 طبعة مصطفى محمد بالقاهرة.
(2) سورة الطلاق:7.
(3) كشاف القناع ج ا ص35.
(4) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص67 0
(5 ) البحر الزخار ج 2 ص54.
(6)المرجع السابق ج3 ص314.
(7 ) المرجع- السابق ج 3 ص 326.
(8) بدائع الصنائع ج 4 ص16 طبع الجمالية بالقاهرة سنة 1328 ه.
(9) الدر مع حاشية ابن عابدين ج2 ص 702 طبعة المطبعة الميمنية سنة 1303 هجرية
(10 ) حاشية الدسوقى على شرح الدرديرج2 ص508، طبعة المطبعة الأزهرية بمصر.
(11) المرجع السابق ج 2 ص 512.
(12 )المرجع السابق ج 2 ص 514.
( 13 ) بداية المجتهد ج 2 ص ه4، طبع مطبعة الجمالية الطبعة الأولى سنة 1229 هجرية .
(14 )المدونة ج 4 ص104 طبعة إلساسى.
(15) المدونة ج 4 ص 105.
(16) الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج2 ص514.
(17)المرجع السابق ج2 ص517.
(18) الإقناع وحاشية البجرمى ج4 ص 73 طبعة القاهرة سنة 1294 هجرية .
(19) المرجع السابق ج 4 ص 75.
(20) المرجع السابق ج4 ص 73.
(21) ج 7 ص194.
(22)المرجع السابق ج 7 ص 195.
(23) نهاية المحتاج ج7 ص200 ومثله كتاب الام ج5 ص87 المطبعة الأميرية.
(24) المغنى ج 7 ص19.
(25) المغنى ج 7 ص597.
(26) المرجع السابق ج 7 ص577، باب النفقة.
(27)المرجع السابق ج 7 ص 601 طبع دار المنار سنة 1367 هجرية .
(28)المرجع السابق ج7 ص60
(29) المغنى ج7 ص606.
(30) المحلى لابن حزم ج 9 ص ا 62 مسألة 1850 مطبعة الإمام بالقاهرة.
(31) ج3 ص 273 مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1366 هجرية .
(32 )المرجع السابق ج3 ص 275.
(33) راجع الروضة البهية ج 2 ص 142 طبع دار الكتاب العربى.
(34) ج 3 ص301.
(35 )النيل وشرحه ج 3 ص 305.
(36 )المرجع السابق ص306.
(37) المرجع السابق ص308.
(38) المرجع السابق ص 560 ، 561.
التعريف به
جاء فى القاموس: المحجم والمحجمة ما يحتجم به وحرفته الحجامة ككتابه و احتجم طلبها ومثله فى المنجد غير أن المقصود هنا بالاحتجام هو قبول الفعل الذى تعبر عنه اللغة بالحجم ووقوعه فى جسده برضاه.
حكم الاحتجام
عبارات الفقهاء فى الفروع التى تناولوا فيها الاحتجام فى أبواب الفقه كاحتجام الصائم و والمتوضىء والمحرم تفيد إباحة الاحتجام فى كل حال إلا أن يترتب عليه ضرر وسيتبين ذلك مما نورده بعد فى هذه الفروع.
احتجام المتوضىء
مذهب الحنفية:
قال الإمام السرخسى فى المبسوط (1): الحجامة توجب الوضوء وغسل موضع المحجمة عندنا خلافا للشافعى لأن الوضوء واجب بخروج النجس فإن توضأ ولم يغسل موضع المحجمة فإن كان أكثر من قدر الدرهم لم تجزه الصلاة وإن كانت دون ذلك أجرأت.
جاء فى الشرح الكبير (2) إن نقص. الوضوء يحصل بحدث وهو الخارج المعتاد قال وخرج بالمعتاد ما ليس معتادا كدم و قيح إن خرجا خالصين من الأذى
مذهب المالكية:
فقال إنهما لو لم يخلصا من الأذى لنقض المخالط لهما.
وبين" الصفتى "(3) الأذى فقال: أما الدم والقيح فإن خرج معهما عذرة أو بول انتقض الوضوء وإن خرجا خالصين من ذلك فلا نقض ، وما نقلناه عن المالكية يفيد بعمومه أن دم الحجامة لا ينقض الوضوء لخلوصه من الأذى المذكور.
مذهب الشافعية:
قال الخطيب فى الإقناع (4): لا ينتقض الوضوء بالنجاسة الخارجة من غير الفرج كالفصد والحجامة لما روى أبو داود بإسناد صحيح أن رجلين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين فى غزوة ذات الرقاع فقام أحدهما يصلى فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه يجرى. وعلم النبى صلى الله عليه وسلم به ولم ينكره.
مذهب الحنابلة:
قال ابن قدامه (5): إن الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم طاهرا ونجسا، فالطاهر لا ينقض الوضوء والنجس ينقض الوضوء فى الجملة رواية واحدة. وهذا القول بعمومة يتناول. دم الحجامة فهم يوافقون الأحناف فى وجوب الوضوء منه.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزمة الظاهرى (6) لا ينتقض الوضوء برعاف و لا دم سائل من شىء من الجسد ولا بحجامة ولا فصد.
وبرهان ذلك أنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا إجماع بإيجاب وضوء فى شىء من ذلك.
مذهب الزيدية:
يروى صاحب البحر الزخار (7): إن- الدم السائل ينقض الوضوء، ورد على من نفى ذلك محتجا بأن النبى عليه الصلاة والسلام احتجم وصلى، بأن القول أقوى من الفعل فى الدلالة على التشريع ، والسنة القولية التى استدل بها الزيديه على نقض الوضوء بالحجامة هى ما روى عن تميم الدارى عن رسول الله أنه قال الوضوء من كل دافق سائل.
مذهب الشيعة الجعفرية:
حصر صاحب المختصر النافع نوا قض الوضوء فى البول والغائط والريح المعتاد. والنوم الغالب على الحاستين السمع والبصر، وعلي الاستحاضة القليلة، وزاد صاحب الروضة (8): ما يزيل العقل من جنون وسكر ومن هذا يتبين عدم النقض عندهم بالحجامة وما شابهها.
مذهب الإباضية:
جاء فى متن النيل (9) " وفى النقض بدم مرتفع ذى ظل وإن قرعة برأس أو شقاق
رجل.. قولان ".
والحجامة داخلة فى ذلك ففى النقض بها خلاف عندهم فيما يظهر.
ويتلخص من هذا أن القائلين بالنقض بالحجامة هم الأحناف والحنابلة و الزيدية
وفى قول عند الإباضية، ومن عداهم من المذاهب المذكورة يرون عدم النقض بالحجامة.
أحجام الصائم
مذهب الحنفية:
جاء فى التنوير وشرحه (10): ان الصائم إذا احتجم لا يفسد صومه، وعلل ذلك العينى فى شرح الكنز (11) بما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم " لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم ".
وقال: أن قوله عليه الصلا ة والسلام:
" أفطر الحاجم والمحجوم " منسوخ.
وروى الميرغينانى فى الهداية (12) الحديث بلفظ: " ثلاث لا يفطرن الصائم: القىء
و الحطامة والاحتلام ".
وعلق على ذلك الكمال بن الهمام (13) بأن هذأ الحديث روى من عدة طرق وأحسنها ما رواه البزار من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، وقال: انه أصح الروايات إسنادا ويجب أن يرتقى إلى درجة الحسن.
وفى المبسوط للسرخسى (14): يحتج الحنفية لعدم الإفطار بالاحتجام بحديث أنس بن مالك رضى الله عنه.
قال: مر بنا أبو طيبة فى بعض أيام رمضان، فقلنا: من أين جئت؟
فقال: حجمت رسول أدلّه صلى الله عليه وسلم.
وفى حديث أبن عباس: أن النبى احتجم وهو صائم محرم، وعنه أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " شكا الناس إليه الدم فرخص للصائم أن يحتجم.
وهذه تبين طريق النسخ الذى أشار إليه العينى.
ويقول السرخسى أيضا: إن تأويل حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بهما وهما يغتابان. آخر فقال الحديث، والمراد: ذهب ثواب صومهما بالغيبة، وقيل الصحيح أنه غشى. على المحجوم فصب الحاجم الماء فى حلقه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام
" أفطر الحاجم المحجوم "، فوقع عند الراوى أنه قال: أفطر الحاجم والمحجوم، ثم علل أيضا بأن خروج الدم من البدن لا يفوت ركن الصوم ولا يحصل به اقتضاء الشهوة وبقاء العبادة ببقاء ركنها.
مذهب المالكية:
قال المالكية (15): إن الحجامة لا تفطر لما صححه الترمذى أن المصطفى عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم فى صائم الوداع.
قال: فيكون هذا الحديث ناسخا لما روى من قوله: أفطر الحاجم والمحجوم.
وجاء فى المدونة (16): ما يدل على الكراهة عند مالك، ولو احتجم رجل مسلم لم يكن عليه شىء.
ثم ساق الحديث: " ثلاث لا يفطرن "وحديث ابن عباس أن الرسول احتجم وهو صائم.
مذهب الشافعية:
جاء فى المنهاج وشرحه (17): ولا تفطر الحجامة لما صح من احتجام الرسول وهو صائم ، وقال إن خبر الإفطار منسوخ، وأن القياس يؤيد عدم الإفطار. ثم قال: إن الحجامة مكروهة للصائم، وجزم فى المجموع بأنه خلاف الأولى.
وقال الأسنوى: وهو المنصوص ، فقد قال فى الأم: وتركه أحب إلى وعلق الشبراملسى فى حاشيته علي كون النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، بأنه ليس مكروها فى حقه وأن كره فى حق غيره لأنه يجوز أنه فعله لبيان الجواز، بل فعله المكروه يثاب عليه ثواب ا لواجب.
وقد رجعنا إلى " الأم " فى باب " ما يفطر الصائم " (18) فيما يتعلق بالحجامة فوجدنا عبارته:. قال الشافعى: روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: " أفطر الحاجم والمحجوم "، وروى: أنه احتجم صائما. قال الشافعى: ولا نعلم مكانه وأحدا منهما ثابتا، ولو ثبت واحد منهما عن النبى قلت به، ولو ترك رجل الحجامة للتوقى لأن احب إلى، ولو احتجم لم أره يفطره.
مذهب الحنابلة:
قال ابن قدامه (19): ان الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم ، وذكر ممن قال به إسحاق وابن المنذر، وكان الحسن وابن مسروق وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم، وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا فى الصوم منهم ابن عمر، وأبن عباس وغيرهما.
واحتج لمذهبهم بقول النبى صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم "، وقال: إنه رواه عن النبى أحد عشر نفسا، وذكر عن أحمد أن هذا الحديث أصح حديث يروى فى هذا الباب، وأطال فى الرد على القائلين بأن الحجامة لا تفطر الصائم.
مذهب الظاهرية:
وفى المحلى لابن حزم الظاهرى (20) ما يفيد أنه لا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام، ثم قال: صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " فوجب الأخذ به إلا أن يصح نسخه وقد صح نسخه بحديث أن الرسول صلوات الله عليه أرخص فى الحجامة للصائم فقامت به الحجة، ولفظ أرخص لا تكون إلا بعد نهى فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول.
مذهب الزيدية:
قال صاحب البحر (21): لا يفسد الصوم بالحجامة إذ احتجم النبى صلى الله عليه وسلم صائما، ورخص للصائم فيه.
قال: وحديث "أفطر الحاجم و المحجوم " نسخ بالترخيص، أو لأنهما اغتابا فبطل ثوابهما، وإلا لزم فى الحجام ولا قائل به.
مذهب الشيعة الجعفرية:
يصوره ما جاء فى الروضة البهية والمختصر النافع (22): لا يفسد الصوم بإخراج الدم المضعف ، والإخراج المذكور يشمل الحجامة.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب الوضع (23): كرهوا للصائم أربعة، فإن فعلهن فلا بأس، وعد منها الحجامة بالنهار.
وفى شرح النيل (24): كره احتجام نهارا مطلقا، وقيل فى آخر النهار، وقيل فى أوله لا لفساده بل لخوف الضعف فيؤدى للإفطار.
قالوا: ولم يصح حديث: الحجامة تنقض الصوم، وأما حديث أفطر الحاجم و المحتجم " فهو حكم عليهما بالإفطار لفعلهما أمرا مفطرا كنظر الحاجم إلى عورة المحتجم أو لاغتيابهما ويدل على ذلك ذكر الحاجم فإنه لا حجة قوية على أن من فعل بأحد ما يفطر به كان مفطرا.
ويتلخص موقفه فقهاء المذاهب المذكورة فى أنهم جميعا عدا الحنابلة يرون عدم فساد الصوم بالحجامة وان كان مكروها أو خلاف الأولى على التفصيل المذكور.
احتجام المحرم
مذهب الحنفية:
قال السرخسى (25): وللمحرم أن يحتجم ويغتسل ويدخل الحمام لأن هذا كله من باب المعالجة، فالمحرم والحلال (أى غير المحرم) فيه سواء، ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة (موضع بقرب المدينة ).
وقال الميرغينانى (26): إن حلق المحرم موضع المحاجم فعليه دم عند أبى حنيفة. وقال الصاحبان عليه صدقة لأنه إنما يحلق لأجل الحجامة وهى ليست من المحظورات ، فكذا ما يكون وسيلة- أليها إلا أن فيه إزالة شىء من التفث فتجب الصدقة.
مذهب المالكية:
نص خليل و الدردير (27) على جواز الفصد للمحرم إذا كان لحاجة وإلا كره فيما يظهر.
وعلق الدسوقى بقوله: وعلى كل حال لا فديه.فيه. ومنه يبين حكم الحجامة
لا شتراكهما.
وفى المدونة (28): سئل مالك: ألا يكره للحجام المحرم أن يحجم المحرمين ويحلق منهم مواضع المحاجم؟ قال مالك: لا أكره ذلك له إذا كان المحرم المحتجم إنما يحتجم لموضع
الضرورة.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم (29)، قال الشافعى أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم. قال الشافعى: فلا بأس أن يحتجم المحرم من ضرورة أو غير ضرورة ولا يحلق الشعر.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامه (30): أما الحجامة اذا لم يقطع شعرا فمباحة من غير فدية فى قول الجمهور لأنه تداو بإخراج دم فأشبه الفصد.
ولأن ابن عباس روى أن النبى احتجم وهو محرم، متفق عليه، ولم يذكر فديه، ولأنه لا يترفه بذلك، فأشبه شرب الأدوية.
وإن احتاج فى الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه لما روى عبد الله بن بحينة أن رسول أدته صلى الله عليه وسلم احتجم بلحى جمل فى طريق مكة وهو محرم وسط رأسه متفق عليه.
ومن ضرورة ذلك قطع الشعر ولأنه يباح حلق الشعر لإزالة الأذى فكذلك هنا وعليه - الفديه، لقوله تعالى " فمن كان منكم مريضى أو به أذى من رأسه ففدية.. " الأيه.
مذهب الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى( 31)
أن للمحرم أن يحتجم ويحلق موضع المحاجم ولا شىء عليه، ثم روى من طريق عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ومثله من طريق سفيان بن عيينة عن أبن عباس، ومن طريق مسلم عن ابن بحينة ولم يخبر عليه أن فى ذلك فدية ولا غرامة.
إباحة الفصد والحجامة.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار (32): وله أن يفتصد ولا فديه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، وقاسوا على أباحه الاحتجام إباحة عصر الدماميل ونزع الشوك.
مذهب الشيعة الجعفريه:
جاء فى. المختصر النافع (33): إن فى الحجامة بالنسبة للمحرم لغير ضرورة قولين أشبههما الكراهية.
مذهب الإباضية:
ويقول الإباضية كما فى كتاب الوضع (34): على المحرم أن يترك فعل أربعة من بدنه، وذكر منها قطع شىء من بدنه وادماءه.
ثم قال: فان قطع شيئا من بدنه أو أدماه فعليه دم.
والإدماء يتناول الاحتجام إذ هو مخرج للدم لا محالة، وعلى هذا فان المذاهب الثمانية لا تمنع الاحتجام فى الاحرام، ومن عدا الإباضية لا يوجبون فديه لذات الاحتجام وقد نصت بعض المذاهب على وجوب الفدية لحلق موضع الحجامة وقيل الواجب صدقة ونص الظاهرية على إنه لا يجب شىء حتى فى هذا.
التداوى بالاحتجام
يتبين من القول السابق ذكرها أن الفقهاء مجمعون على أن التداوى بالاحتجام جائز غير محظور، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه تداوى به، وأن كثرة عديدة من الصحابة كانوا يفعلون ذلك.
وقد روى البخارى وابن ماجة أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: " الشفاء فى ثلاث": شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار "
وقال الكرمانى فى شرحه للحديث: أن فيه إثبات الطب و التداوى 0
وقال العزيزى فى شرحه أيضا: إن الحجم أنجح هذه الثلاثة شفاء عند هيجان الدم.
__________
(1) ج1 ص83 طبعة الساسى بالقاهرة سنة 1324.
(2) الشرح الكبير للدردير حاشية الدسوقى ج1 ص114.
(3) حاشية الصفتى ص35 الطبعة الأميرية سنة 1302 هجرية .
(4 ) الإقناع على ألفاظ أبى شجاع ج1 ص178 المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هجرية .
(4) المغنى ج1 ص184 مطبعة المنارة الطبعة الثالثة
(5) المحلى ج1 ص209 مسألة 169 مطبعة الإمام بالقاهرة.
(7) ج1 ص 86 مطبعة السعادة بالقاهرة الطبعة الأولى سنة 1366 هجرية .
(8) الروضة البهية ج 2 ص 22.
(9)شرح النيل ج1 باب نوا قض الوضوء ص 77.
(10 ) حاشية ابن عابدين ج2 ص106.
(11 ) شرح الكنز ج1 ص100.
(12 )الهداية وفتح القدير ج 2 ص64 طبعة مصطفى محمد.
(13) الفتح، المرجع السابق.
(14) ج 3 ص57.
(15) الصفتى على العشماوية ص 174 المطبعة الاميرية.
(16 ) ج 1 ص198 طبعة الساسى.
(17) المنهاج وشرحه ج 3 ص170.
(18) كتاب الام ج 2 ص83 المطبعة الاميرية سنة 1321 هجرية .
(19 )المغنى ج 3 ص 103.
(20)المحلى ج 5 ص 501، 502.
(21) البحر الزخار ج2 ص253.
(22)الروضة البهية ج1 ص152 والمختصر النافع ص66.
(23) كتاب الوضع ص156.
(24) ج3 ص198 ، 199.
(25)المبسوط ج4 ص124.
(26)الهداية مع فتح القدير ج2 ص232.
(27)حاشية الدسوقى مع شرح الدردير ج2 ص58.
(28)المدونة ج2 ص188.
(29)الام ج2 ص174.
(30)المغنى ج3 باب الحج.
(31)المحلى ج 7 باب الحج.
(32)البحر الزخار ج2 باب الحج.
(33) باب الحج.
(34)باب الحج.
المعنى اللغوى
الاحتساب مصدر، فعله احتسب، يقال احتسب بكذا اكتفى به واحتسب على فلان الأمر أنكره عليه، واحتسب الأجر على الله أخره لديه-، كما يقال احتسبت بكذا أجرا عند الله، أى فعلته مدخرا إياه عنده، والمادة تدل فى كثير من استعمالاتها على العد كما تبين من الاستعمالات السابقة، ومنه علم الحساب، أى علم العدد، والحسبة اسم من الاحتساب، وإذن فالاحتساب يستعمل فى فعل ما يحتسب عند الله (1).
المعنى الشرعى
ثوابه فى الدار الآخرة وذلك الاستعمال لا يكاد يخرج عن بعض استعمالاته اللغوية وعلى ذلك فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يسمى احتسابا فى لسانهم كما يسمى حسبة أيضا ، وذلك إذا فعله لا لرياء ولا لسمعة ولا لإظهار علو أو كبرياء- وكذلك كل معروف يفعله الإنسان لوجه الله سبحانه وتعالى مدخراً ثوابه عنده لغير رياء ولا سمعة كالصدقة يتصدق بها احتسابا ودفع الأذى والشر يقوم به احتسابا والمعونة فى الخير والنصرة يقوم بهما احتسابا وفى هذا المعنى جاء فى قوله - صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو الدرداء - رضى الله عنه- قال سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الله عز وجل قال يا عيسى إنى باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا... رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخارى. وفى قوله صلى الله عليه وسلم فيم رواه أبو هريرة " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "... رواه البخارى ومسلم وفيما روى عن عمر قال: "أيها الناس احتسبوا أعمالكم فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته" وفى هذا ما يدل على أن الاحتساب بمعنى الحسبة- وفى بيان ما يدل على طلبه بمعنى الحسبة وعلى حكمه وعلى طبيعته وعلى ما فيه من معنى الولاية وعلى شروطه وأركانه وعلى موضوعه وما يتم به يرجع إلى مصطلح حسبة.
__________
(1) القاموس والمصباح ومفردات الراغب الأصبهانى وأساس البلاعة للزمخشرى والمعجم الوسيط.
المعنى اللغوى
الاحتطاب فى القاموس: الحطب محركة ما أعد من الشجر شبوبا، وحطب كغرب جمعه كاحتطب.
ويستعمله الفقهاء بمعناه اللغوى.
ويكون الاحتطاب فى الأراضى المباحة التى لم يملكها أحد أو فى المملوكة بإذن من صاحبها. ومن سبق إليه كان أحق به من غيره فيملكه بذلك، والاحتطاب من الأرض في المملوكة لا يحتاج إلى إذن الإمام لأنه من الأشياء المباحة التى لا يفتقر ملكها إلى إذن الإمام (1). هذا وقد ذكر الأئمة له عدة أحكام تتعلق به.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: لو اشتركا فى الإحتطاب يجب الأجر بالغا ما بلغ عند محمد، لأن المسمى وهو نصف الحطب غير معلوم فلم يصح الحط بأقل (2).
وهل إذا سرق الحطب تقطع اليد فيه أم لا؟
ورد عن أبى حنيفة أنه لا قطع فى الطعام، ولا فيما أصله مباح (3).
والحطب فى ملك رجل ملك له فليس لغيره أن يحتطبه بدون إذنه، وإن كان فى غير ملك فلا بأس به ولا يضر نسبته إلى قربه أو جماعة ما لم يعلم أن ذلك ملك لهم، ويملك المحتطب الحطب لمجرد الاحتطاب وإن لم يشده ولم يجمعه(4).
ولا تجوز الشركة فى الأشياء المباحة مثل الإحتطاب والاحتشاش والاصطياد وكل مباح، لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة، والتوكيل فى أخذ المباح باطل، لأن أمر الموكل به غير صحيح، والوكيل يملكه بغير أمره فلا يصلح نائبا عنه، وما أصطاده كل واحد منهما أو احتطبه أو احتشه فهو له دون صاحبه لثبوت الملك فى المباح بالأخذ، فان أخذاه معا فهو بينهما نصفان لاستوائهما فى سبب الاستحقاق، وأن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا فهو للعامل وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر، بأن حمله معه أو حرسه له فللمعين أجرة مثله لا يجاوز به نصف ثمن ذلك عند أبى حنيفة وأبى يوسف، وعند محمد بالغا ما بلغ (5).
مذهب المالكية:
قال المالكية: لو قال لآخر: إحتطبْ على دابتى ولك نصف الحطب جاز إن علم ما يحتطبه عليها بعادة أو شرط وسواء فى ذلك إن قيد بزمن كيوم لى، ويوم لك، أم لم يقيده كنقلة لى ونقلة لك، فالأجرة هنا واجبة، ومثل الدابة السفينة والشبكة ونحوهما فيجوز بنصفه ما يحمله عليها إذا كان معينا من مكان معين (6).
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يصح التوكيل فى تملك المباحات كالإحياء والاصطياد والاحتطاب فى الأظهر ومقابله المنع، والملك فيها للوكيل (7).
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يجوز للشخص أن يستأجر رجلاً ليحتطب له لأنه عمل مباح تدخله النيابة فأشبه حصاد الزرع، ويصح التوكيل فى تملك المباحات من الصيد والاحتطاب والحشائش ونحو ذلك كإحياء الموات وهذا هو الصحيح من المذهب (8). وتصح شركة الأبدان فى الاحتشاش والاصطياد والتلصص على دار الحرب، وسائر المباحات كالاحتطاب(9).
قال الزيدية: لو استأجر شخص من يصطاد له أو يحتش أو يحتطب أو يسقى أو نحو ذلك من المباح فلا يصح الاستئجار- وكذا لو عقد اثنان شركة فى ذلك- أو وكل رجل غيره لم يصح ولو نواه للغير بل يملكه الفاعل إذا فعل فى الأصح من المذهب.
وقال المتوكل بالله: يصح التوكيل فيه ... وعلى الأصح من المذهب لا أجرة له من الآمر إلا أن ُيكرِهُه (10).
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: إذا أستأجر غيره للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد من المباحات مدة معينة صحت الإجارة، ويملك المستأجر ما يحصل من ذلك فى تلك المدة هذا ولا تدخل النيابة فى الاحتطاب والاحتشاش، لأنه تعلق قصد الشارع بإيقاعه من المكلف مباشرة، لو احتطب أو احتش بنية أنه له ولغيره لم تؤثر تلك النية وكان بأجمعه له خاصة (11).
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: وجاز احتطاب شخص أو أخذه الشوك أو الحشيش من أرض آخر على أن الحطب بينهما مثلا، وإنما جاز لأنه قد رأى الأرض مع ما فيها، أو لم ير لكنه قد عقد أن له النصف مثلا فى كل ما حطب (12).
الاحتطاب فى أرض الحرم
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إن قطع حشيش الحرم أو شجرة ليست مملوكة لأحد وهو مما لا ينبته الناس فعليه قيمته (13) إلا ما جف منه... وما جف من شجر الحرم لا ضمان فيه لأنه ليس بنام (14).
مذهب المالكية:
قال المالكية: حرم على المكلف بالحرم محرما أو غيره، آفاقيا و من أهل مكة قلع ما نبت بنفسه ولو كان قطعه لإطعام الدواب على المعتمد، ولا فرق بين الأخضر واليابس إلا الأذخر (15)، كما ورد فى الحديث استثناء الأذخر والملحقات به وهى السنا والسواك والعصا (16).
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ويحل من شجر الحرم الأذخر قلعا وقطعا لاستثنائه فى الخبر. وكذا الشوك كالعوسج (17) وغيره من كل مؤذ منتشر من الأغصان المضرة فى طريق الناس عند الجمهور، والأصح حل أخذ نباته من حشيش أو نحوه لعلفه البهائم وللدواء كحنظل للحاجة إليه (18).
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: ويباح الانتفاع بما أنكسر من الأغصان وبما انقطع من الشجر بغير فعل آدمى وكذا الورق الساقط يجوز الانتفاع به (19).
مذهب الظاهرية:
قال الظاهرية: من احتطب فى حرم المدينة خاصة فحلال سلب ما وجد معه فى حاله تلك ويجرد من ثيابه إلا مما يستر عورته فقط لما ورد عن عامر بن سعد قال: إن سعدا (أباه ) ركب إلى العقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فسألوه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرده عليهم (20).
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: من محظورات الإحرام قطع شجر من الحرمين أو رعيه. فلو كان يابسا جاز قطعه، فلو كان مؤذيا كالعوسج ونحوه مما له شوك مؤذ فيجوز قطعه فلو كان مستثنى كالاذخر جاز قطعه. أما لو كان أصله فى الحل وفرعه فى الحرم جاز قطعه وأن يكون مما ينبت بنفسه (21).
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: ولا كفارة فى قلع الحشيش وإن أثم فى غير الأذخر، وما أنبته الآدمى ومحل التحريم فيهما الاخضرار، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقا لا قلعه إن كان أصله ثابتا (22).
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: وجاز لمحرم احتطاب وشد محمله أى ربطه والعقد عليه إلا على نفسه منه ولا يحل وإن لمحل شجر الحرم، ويجوز رعيه. ولا يجوز قطع اليابس أيضا، وجوز رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذخر(23).
والأصل فى شجر الحرم أنه غير مستنبت ففيه الجزاء، وعن ابن محبوب فى عود صغير فى الحرم إطعام مسكين، وقيل فى كسر عود درهم ولو صغيرا كسواك (24).
__________
(1) المغنى لابن قدامة ج6 ص 38.
(2) الهداية ج3 ص 177.
(3) الهداية ج4 ص 227.
(4) حاشية ابن عابدين ج5 ص 389.
(5) الجوهرة النيرة ج1 ص 285.
(6) الشرح الصغير ج2 ص 159.
(7) السراج الوهاج ص 247.
(8) المقنع ج2 ص 149.
(9) المقنع ج2 ص 183.
(10) شرح الأزهار ج3 ص 322.
(11) شرائع الإسلام ص 216 باب الشركة.
(12) شرح النيل ج5 ص 59.
(13) ولا يكون للصوم فى هذه القيمة مدخل لأن حرمة تناولها بسبب الإحرام فكان من ضمان المحال.
(14) كتاب الهداية للمرغينانى ج1 ص 127 مطبعة مصطفى الحلبى.
(15) نبت كالحناء طيب الرائحة.
(16) بلغة السالك لاقرب المسالك للدردير ج 1ص 277 المطبعة التجارية.
(17) نوع من الشوك.
(18) نهاية المحتاج ج3 ص 342 مطبعة مصطفى الحلبى.
(19) المقنع وشرحه ج1 ص 435 المطبعة السلفية ، وكشاف القناع ج1 ص 602 المطبعة العامرة الشرقية بالقاهرة.
(20) المحلى لابن حزم ج1 ص 263 مسألة رقم 901.
(21) شرح الأزهار ج2 ص 103 مطبعة حجازى بالقاهرة.
(22) الروضة البهية ج1 ص 182 مطابع دار الكتاب العربى.
(23) الأذخر نبت طيب الرائحة تصنع منه الحصر وتسقف منه البيوت ما بين الخشب.
(24) شرح النيل ج2 ص 323،337.
معنى الاحتكار فى اللغة
جاء فى المصباح: احتكر فلان الطعام، إذا حبسه إرادة الغلاء، والاسم الحكرة، مثل الغرفة من
الإغتراف، والحكر (يفتح الحاء والكاف أو اسكانها) بمعنى الاحتكار.
وعرف صاحب القاموس الحَكْر، بفتح الحاء وسكون الكاف بأنه الظلم و إساءة المعاشرة، وقال أن بالتحريك اى الحكر بفتحتين: ما احتكر أى حبس انتظارا لغلائه كالحكر بضم الحاء، فيكون اسما من الاحتكار. ونقل الصنعانى (1) عن النهاية لابن الأثير فى شرح قول النبى صلى الله عليه وسلم: " من احتكر طعاما.. " اى اشتراه وحبسه ليغلو فيغلو.
ومن هذا يتبين بوضوح أن معانى المادة كلها تدور حول الظلم فى المعاملة وحبس شىء من الأشياء لاستبداد بشأنه.
ومنه ما ورد فى استعمال الشريعة من عصر النبوة إلى أن عرفه الفقهاء فى كتبهم بما لا يخرج عن ذلك فى الجملة.
التعريف الفقهى للاحتكار
يقول الحصكفى من الأحناف فى شرح الدر المنتقى (2) نقلا عن الشر نبلالية عن الكافى: أن الاحتكار شرعا اشتراء الطعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوما لقوله عليه الصلاة والسلام: " من احتكر على المسلمين أربعين يوما ضربه الله بالجذام و الإفلاس ".
ثم قال: وقيل شهر وقيل كثر، وبين الحصكفى أن تكثيرة مدة الأيام لا معاقبة فى الدنيا بنحو البيع والتعزير. لا للإثم لحصونه وإن قلت المدة، وتفاوت الإثم بين تربص المحتكر لعزة الطعام وندرته أو للقحط.
وقد رجعنا إلى حاشية الشر نبلالى على درر الحكام شرح غرر الأحكام (3) فوجدنا ما يأتى تعليقا على قول صاحب الغرر:
كره احتكار قوت البشر والبهائم: الاحتكار حبس الطعام للغلاء افتعال من حكر إذا ظلم ونقص وحكر بالشىء إذا أستبد به وحبسه عن غيره، وتقييده بقوت البشر والبهائم قول أبى حنيفة ومحمد وعليه الفتوى، وقال أبو يوسف: كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار وإن كان ذهبا أو فضة أو ثوبا. كذا فى الكافى.
وأما تقدير مدة حبس الطعام فقد ورد فى كلام صاحب الدرر إذ يقول: " ومدة الحبس قيل أربعون يوما وقيل شهر وهذا فى حق المعاقبة فى الدنيا، لكن يأثم وإن قلت المدة ".
ويقول البابرتى (4) الحنفى: إن المراد بالاحتكار " حبس الأقوات تربصا للغلاء " وهذا التعريف أقرب إلى ما أورده الشرنبلالى فإنه لم يقيد الحبس بكونه على سبيل الشراء، ولم يذكر نحو الأقوات، وقد اختلف كل منهما عن الحصكفى من هاتين الناحيتين.
وقد وافق صاحب الاختيار الحصكفى فى تقييد الحبس بكونه على سبيل الشراء وإن كان قصر على الطعام كالبابرتى والشرنبلانى، و أشار صاحب الاختيار الموصلى الحنفى إلى شمول الاحتكار للشراء من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى مصر، فقال (5): " إن الاحتكار أن يبتاع الشخص طعاما من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى المصر ويحبسه إلى وقت الغلاء".
ونبه الكاسانى الحنفى إلى قيد يفيد حكمة المنع من الإحتكار (6): فأضاف إلى التعريف قيد أن يكون ذلك يفر بالناس بدل قولهم (إلى وقت الغلاء).
مذهب المالكية:
أما المالكية فيصورون الاحتكار بما تفيده عبارة المدونة برواية سحنون (7): أنه سمع مالك، يقول: الحكرة فى كل شىء فى السوق من الطعام والزيت والكتان والصوف وجميع الأشياء وكل ما اضر بالسوق فيمنع من يحتكر شيئا من ذلك كما يمنع من احتكار الحب ".
والمالكية فى هذا التعميم يتفقون مع أبى يوسف فى عدم قصر الإحتكار على الطعام.
مذهب الشافعية:
عرفه الرملى الشافعى بقوله (8): أنه اشتراء القوت وقت الغلاء ليمسكه ويبيعه بعد ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق.
وبمثله عرفه الإمام النووى الشافعى فى شرحه لصحيح مسلم (9) وقد انفرد هذا التعريف بتقييد الشراء بكونه وقت الغلاء.
مذهب الحنابلة:
وعرفه ابن قدامة الحنبلى فى المغنى بقوله (10): الاحتكار المحرم هو ما اجتمع فيه ثلاثة شروط: أن يشترى، وأن يكون المشترى قوتا، وأن يضيق على الناس بشرائه. فهو يتفق مع من يقول ممن قدمنا أن الاحتكار يتحقق بالشراء وتخصيصه بالقوت.
مذهب الظاهرية:
وأما ابن حزم الظاهرى فقد وافق الجميع فى اعتبار الإضرار بالناس قيدا فى الاحتكار الممنوع، واتجه إلى أنه مرتبط بالشراء ولم يقصره على الطعام وعبارته (11): الحكرة المضرة بالناس حرام ، سواء فى الابتياع أو إمساك ما ابتاع، " والمحتكر فى وقت الرخاء ليس آثما ".
مذهب الزيدية:
والزيدية يخصونه بأن المحبوس قوت آدمى أو بهيمة، ويعممون فى الحبس بما يشمل ما يكون على سبيل الشراء أو غيره ويصور مذهبهم ما جاء فى البحر الزخار (12) من قولهم: يحرم احتكار قوت الآدمى والبهيمة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم- " من احتكر الطعام " (أى الخبز ونحوه) فإنه لم يخصه بالشراء وبذأ يتحقق الاحتكار عندهم مما يكون حبسه بعد الشراء أو الحصول عليه من زراعته، كما يشمل ما إذا كان الشراء من المصر أو كان مجلوبا من خارجها.
مذهب الإمامية:
وعرف الشيعة الإمامية الحكرة (13): بأنها جمع الطعام وحبسه يتربص به الغلاء، وحصروا الطعام الذى يتحقق فيه الاحتكار فى سبعة أشياء، هى: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت والملح. فهم لا يخصونه بالشراء وينفردون بقصر الطعام على هذه الأنواع.
مذهب الإباضية:
وعرفه الإباضية (14) بأنه شراء مقيم من سوق أو من غيره بالنقد أو غيره طعاما ينتظر به الغلاء فهم يخصون الاحتكار بشراء المقيم للطعام، ويصرحون بأن من أخذ الطعام من غيره فى دين أو مقاضاة أو أرش أو أجرة أو ارث أو هبة فلا يكون ذلك من الاحتكار المحظور، وقد ألحقوا بالمقيم فى تحقق الاحتكار الممنوع المسافر الذى يتجر بمال المقيم الذى يتجر بمال المسافر فلا يكون من الاحتكار الممنوع، واختلفوا فى الطعام الذى يكون فيه الاحتكار فجعله بعضهم عاما فى كل ما يطعم ولو رهنا أو شرابا، وخصه بعضهم بالحبوب الستة، وخصه بعضهم بما يسمى فى العرف طعاما، وبعضهم خصه بالبر والشعير.
حكم الاحتكار الأخروى
الاحتكار الذى تتحقق فيه القيود المذكورة على اختلاف المذاهب فيها كما بينا محظور أجماعا غير أنه قد اختلفت عبارات الفقهاء فى التعبير عن هذا الحظر . فمنهم من صرح بالحرمة، ومنهم من صرح بالكراهة، ومنهم من اكتفى بلفظ المنع الصادق بكل من التحريم والكراهة. فالكاسانى الحنفى يقول (15): تتعلق بالاحتكار أحكام منها الحرمة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المحتكر ملعون والجالب مرزوق؟، ولا يلحق اللعن إلا بمباشرة المحرم، وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برىء من الله وبرىء الله منه ".
ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلا بارتكاب الحرام، وساق دليلا آخر عقليا يرجع إلى أن الاحتكار من باب الظلم والظلم حرام، وقال بعد ذلك أن قليل مدة الحبس وكثيرها سواء فى حق الحرمة لتحقق الظلم.
ويمثل ذلك صرح الشبراملسى الشافعى فقد قال (16): إن النهى المتعلق بالاحتكار نهى تحريم، وأيضا فان ابن حجر الهيثمى الشافعى يعتبره من الكبائر ويقول (17): أن كونه كبيرة هو ظاهر الأحاديث الواردة فى النهى عن الاحتكار لوجود الوعيد الشديد كاللعنة وبراءة ذمة الله ورسوله والضرب عليه بالجذام والإفلاس وبعض هذه دليل على الكبيرة.
وكذلك ابن قدامة الحنبلى (18) ينص على تحريم الاحتكار ويستدل بعدة أحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم- : "من احتكر فهو خاطىء ".
ووافقهم ابن حزم الظاهرى فيما نقلناه من العبارة السابقة إذ يقول (19): إن الحكرة المضرة بالناس حرام.
وكذلك بالنسبة للزيدية خط فإن صاحب البحر الزخار ينص (20): على أنه يحرم احتكار قوت الآدمى والبهيمة فى الفاصل عن كفايته ومن يمونه.
وكذلك الإباضية فقد صرحوا (21) : بأن الاحتكار حرام. وقال صاحب شرح النيل: أن النهى عن الاحتكار أشد من غيره من البيوع الممنوعة لانتظار المحتكر اللعنة بالاحتكار لحديث: " المحتكر ينتظر اللعنة".
وأما القائلون بالكراهة فمن الأحناف الميرغينانى صاحب الهداية وكل من الموصلى صاحب الاختيار والتمرتاشى صاحب تنوير الأبصار والحصكفى فى الدر وابن عابدين فى حاشيته وهو المذكور في ملتقى الأبحر وشارحه. يقول صاحب الهداية (22): " ويكره الاحتكار فى أقوات الآدميين والبهائم.. الخ ".
كما يقول صاحب التنوير وشارحه صاحب الدر وابن عابدين فى حاشيته (23). " وكره احتكار قوت البشر 00 الخ ". ويوافق الشيعة الجعفرية من قالوا بالكراهة من الأحناف، فقد أورده صاحب اللمعة الدمشقية وشارحه صاحب الروضة البهية فى مكروهات التجارة (24).
وإن كان صاحب الروضة البهية قد اختار فى موضع آخر (25) أنه يحرم مع حاجة الناس إليه إذ يقول: والأقوى تحريمه مع حاجة الناس إليه لصحة الخبر بالنهى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم كما أورده صاحب المختصر النافع من الشيعة الجعفرية فى المكروهات أيضا وذكر أن هناك قولا بحرمته. واما من أورد عبارة المنع دون تحديد لجهة المنع فإنه الحطَّاب من المالكية إذ أورد أنه ممنوع (26).
حكم الاحتكار الدنيوى
يقول صاحب البدائع الفقيه الحنفى:
إن من أحكام الاحتكار أن يؤمر المحتكر بالبيع إزالة للظلم لكن إنما يؤمر ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله، فإن لم يفعل وأصر على الاحتكار ورفع إلى الإمام مرة أخرى وهو مصر عليه فإن الإمام يعظه ويهدده، فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره زجرا له عن سوء صنعه ولا يجبر على البيع.
وقال محمد: يجبر عليه، وهذا يرجع إلى مسألة الحجر على الحر لأن الجبر على البيع فى معنى الحجر.
ويقول الميرغينانى الحنفى فى كتابه الهداية: إن رفع المحتكر إلى الإمام مرة ثانية حبسه وعزره زجرا له ودق ا لضرر العامة.
أما صاحب "الدر الحنفى " فيمرح بأنه يجب على القاضى أن يأمره ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله.
ويضيفه ابن عابدين: أنه مع أمره ينهاه عن الاحتكار ويعظه ويزجره.
ثم يقول صاحب الدر: فإن لم يبع بل خالف الأمر عزره وباع عليه وفاقا على الصحيح.
ثم نقل عن صاحب السراج أنه لو خاف الإمام علي أهل بلد الهلاك أخذ الطعام من المحتكرين وقومه فإذا كانوا فى سعة ردوا مثله. قال: وليس هذا بحجر بل للضرورة، ومثله فى الاختيار والبدائع.
مذهب المالكية:
ونص المالكية على أن من اشترى الطعام من الأسواق واحتكره وأضر بالناس فإن الناس يشتركون فيه بالثمن الذى اشتراه وصرح ابن جزى بأن فى جبر الناس على إخراج الطعام فى الغلاء خلافا (27).
ويقول الأبى المالكى فى شرح لصحيح مسلم (28): إن الخليفة كان إذا غلا السعر ترفق بالمسلمين فأمر بفتح مخازنه وأن يباع بأقل مما يبيع الناس حتى يرجع الناس عن غلوهم فى الأثمان، ثم يأمر مرة أخرى أن يباع بأقل من ذلك حتى يرجع السعر إلى أوله أو القدر الذى يصلح للناس حتى يغلب الجالبين والمحتكرين بهذا الفعل وكان ذلك من حسن نظره.
مذهب الشافعية:
وصرح الشافعية بأن من عنده زائد على كفايته ومئونته سنة يجبر على بيعه فى زمن الضرورة، بل قالوا: أنه إذا اشتدت الضرورة يجبر على بيع ما عنده ولو لم يبق له كفاية سنة.
مذهب الحنابلة:
كما صرح الحنابلة بأن لولى الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه الناس فى مخمصة فإن من اضطر إلى طعام غيره أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل ولو امتنع عن بيعه إِلا بأكثر من سعره أخذه منه بقيمة المثل.
ثم يقول ابن القيم (29): من أقبح الظلم أن يلزم الناس إلا يبيعوا الطعام أو غيره من الأصناف إلا ناس معروفون، فلا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم بما يريدون، فلو باع غيرهم ذلك منعوه، وهذا يمكن تسميه احتكار الصنف ".
ثم قال: إن هذا من البغى والفساد، فيجب التسعير عليهم، ومن هنا ذهب كثير من الفقهاء إلى القول بأن من حق الإمام، بل من واجبه أن يسعر السلع وأن منع الناس أن يبيعوا إلا بقيمة المثل ولا يشتروا إلا بها بلا تردد فى ذلك عند أحد من العلماء (انظر: تسعير).
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى: يمنع المحتكر من الاحتكار، وروى بسنده إلى على أنه أحرق طعاما أحتكر بمائة ألف، كما روى عن عبد الرحمن بن قيس قال: أحرق لى على بن أبى طالب بيادر بالسواد كنت احتكرتها، لو تركها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة. والبيدر: الموضع الذى تدرس فيه الحبوب، والمراد: ما فى تلك الأماكن من الحبوب .
مذهب الزيدية:
وصرح الزيدية بأن المحتكر يجبر على بيع ما احتكره ولا يباع عنه إلا إذا تمرد فيبيعه الحاكم ويعزره لعصيانه.
مذهب الإمامية:
أما، الشيعة الجعفرية فيقولون: يجب بيع الطعام المحتكر.
ويقول صاحب "اللمعة الدمشقية" (30): أن الطعام المحتكر لو لم يوجد غيره وجب البيع ويسعر أن أجحف فى الثمن.
مذهب الإباضية:
وينص الاباضية على أنه لا يترك المحتكر يبيع بأكثر مما اشترى وإنما يجبر على البيع كما اشترى، وقيل إن أخذ منه حين الفراغ من العقد قبل الانتظار أجبر على البيع ولو بربح، وان قبض عليه بعد الانتظار أجبر أن يبيع بمثل ما اشترى وقد يمنع من الربح مطلقا لسوء نيته.
وروى عن جابر أن من أحتكر طعاما على الناس وأبى أن يبيع إلا على حكمه وهو غال ينزع منه.
ثم قال صاحب النيل (31): ولا يجبر المحتكر على البيع إن خرج من ملكه بوجه أورده لنفقته أو تغير عن حاله مثل أن يكون حبا فيطحنه أو دقيقا فيخبزه.
ثم قال: وإن مات المحتكر لم يجبر وارثه ولا يجبر من دخله ملكه بوجه.
__________
(1) سبل السلام ج3 ص 32 طبعة صبيح بالأزهر بمصر.
(2) الدر المنتقى على متن الملتقى بهامش مجمع الأنهر ج2 ص 547 طبعة الأستانة سنة 1327 هجرية .
(3) ج1 ص 400.
(4) فى كتابه العناية بهامش فتح القدير على الهداية ج8 ص 126.
(5) الاختيار شرح المختار ج3 ص 115 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1355 هجرية .
(6) البدائع ج5 ص 129.
(7) ج10 ص 123.
(8) نهاية المحتاج ج3 ص 456 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1357 هجرية بالقاهرة.
(9) صحيح مسلم بشرح النووى ج12 ص 42 المطبعة المصرية بالقاهرة.
(10) المغنى ج4 ص 220 طبعة المنار بالقاهرة.
(11) المحلى ج9 ص 78 مطبعة الإمام بالقاهرة.
(12) ج3 ص 319 الطبعة الأولى طبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1367 هجرية .
(13) الروضة البهية ج 1 ص 292 طبع دار الكتاب العربى بمصر ومثله فى المختصر النافع ص 120
(14) شرح النيل ج 4 ص101،102.
(15) البدائع ج 5 ص129.
(16) نهاية المحتاج ج 3 ص 156.
(17) الزواجر ص216، 217.
(18) المغنى ج4 ص 220 طبعة المنار.
(19) المحلى ج 9 ص 78.
(20) البحر الزخار ج 3 ص 319 وما بعدها.
(21) شرح النيل ج 4 ص 102.
(22) الهداية ج4 ص 76.
(23) حاشية ابن عابدين ج5 ص227 ومعها شرح الدر على متن التنوير ومثله فى الاختيار، شرح المختار ج 3 ص 115 وكذا ملتقى الأبحر وشارحاه ج 2 ص 547
(24) ج 1ص 274.
(25) المرجع السابق ج ا ص 292.
(26) مواهب الجليل للحطاب ج4 ص227 مطبعة السعادة، الطبعة الأولى سنة 1329 هجرية .
(27) قوانين الفقهية لابن جزى ج3 من247.
(28) ج4 ص 304،305.
(29) الطرق الحكمة فى السياسة الشرعية ص 226.
(30) الروضة البهية شرح اللمعة ج 1ص 293.
(31) شرح النيل ج 4 ص 104، 105.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق